قال القشيري :﴿وبدلناهم بجنتيهم جنتين...﴾ الآية، كذلك من الناس مَن يكون في رَغَدٍ من الحال، واتصالٍ من التوفيق، وطيب من القلب، ومساعدة من الوقت، فيرتكبُ زَلَّةً، أو يتبع شهوةً، ولا يعرف قَدْرَ ما يفوته فيفتر عليه الحالُ، فلا وقتَ ولا حالَ، ولا قُربَ ولا وصالَ، يُظْلِمُ عليه النهارُ، بعد أن كانت لياليه مضيئة. وأنشدوا :
ما زلتُ أختال في زَماني
حتى أَمِنتُ الزمانَ مَكْرَه>> طال علينا الصدودُ حتى
لم يبق مما شَهِدْت ذَرَّه
﴿ذلك جزيناهم بما كفروا...﴾ الآية : ما عوقبوا إلاَّ بما استوجبوا، وما سُقُوا إلاَّ ما أفيضوا، ولا وقعوا إلاَّ في الوَهْدَةِ التي حَفَرُوا، وما قُتِلُوا إلا بالسيف الذي صَنَعُوا. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٣
٧٦
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وجعلنا بينهم﴾ أي : بين سبأ ﴿وبين القرى التي باركنا فيها﴾ بالتوسعة على أهلها بالنعم والمياه، وهي قرى الشام، ﴿قُرىً ظاهرةً﴾ متواصلة يُرى بعضها من بعض ؛ لتقاربها، فهي ظاهرة لأعين الناظرين، أو : ظاهرة للسَّابلة، لم تبعد عن مسالكهم حتى تخفى عليهم، وهي أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة، من سبأ إلى الشام، ﴿وقدَّرنا فيها السيْرَ﴾ أي : جعلنا هذه القرى على مقدار معلوم، يقيل المسافر في قرية، ويروح إلى أخرى، إلى أن يبلغ الشام. وقلنا لهم :﴿سِيرُوا فيها﴾ ولا قول هناك، ولكنهم لَمَّا تمكنوا من السير، ويُسّرت لهم أسبابه، فكأنهم أُمروا بذلك، فقيل لهم : سيروا في تلك القرى ﴿لياليَ وأياماً آمنينَ﴾ أي : سيروا فيها إن شئتم بالليل، وإن شئتم بالنهار، فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات، أو : سيروا فيها آمنين لا تخافوا عدواً، ولا جوعاً، ولا عطشاً، وإن تطاولت مدة سيركم، وامتدت أياماً وليالي. فبطروا النعمة، وسئموا العافية، وطلبوا الكدر والتعب.