﴿فقالوا ربَّنا باعِدْ بين أسفارِنَا﴾ قالوا : يا ليتها كانت بعيدة، نسير على نجائبنا، ونتخذ الزاد، ونختص بالربح في تجاراتنا، أرادوا أن يتطاولوا على الفقراء بالركوب على الرواحل، ويختصوا بالأرباح. وقرأ يعقوب " ربُّنا " بالرفع " باعَدَ " بفتح العين، فربنا : مبتدأ، والجملة : خبر، على أنه شكوى منهم ببُعد سفرهم، إفراطاً في الترفيه وعدم الاعتداد بالنعمة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بشد العين، من " بعِّد " المضعف. والباقون بالألف والتخفيف، من : باعد، بمعنى " بعد " المشددة. ﴿وظلموا أنفسَهم﴾ بما قالوا، وما طلبوا، ففرّق الله شملهم، كما قال تعالى :﴿فجعلناهم أحاديثَ﴾ يتحدث الناس بهم، ويتعجبون من أحوالهم، ويضرب بهم الأمثال، يقال : تفرقوا أيادي سبأ، وأيدي سبأ، يقال بالوجهين. وفي الصحاح : ذهبوا أيادي سبأ، أي : متفرقين، فهو من المُركّب تركيب مزج.
﴿ومزَّقناهم كل مُمزّقٍ﴾ أي : فرقناهم كل تفريق، فتيامن منهم ست قبائل، وتشاءمت أربعة، حسبما تقدم في الحديث. قال الشعبي : أما غسان فلحقوا بالشام، وأما أنمار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، والأزد بنعمان. هـ. قلت : وفيه مخالفة لظاهر الحديث، فإن أنمار جد خثعم وبجيلة، ولم يكونوا في المدينة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٦
والذي هو المشهور أن الأوس والخزرج هما اللذان قدما المدينة، فوجدوا فيها طائفة من بني إسرائيل، بعد قتلهم للعماليق. وسبب نزولهم بها : أن حَبْرين منهم مَرَّا بيثرب مع تُبع، فقالا له : نجد في علمنا أن هذه المدينة مهاجرَ نبي، يخرج في آخر الزمان، يكون سنه كذا وكذا، فاستوطناها، يترصَّدان خروجه ﷺ، فمن نسلهما بقيت اليهود في المدينة، والأوس والخزرج هما ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأسد بن الغوث ابن بنت مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ.
٧٧