الإشارة : كل مَن لم يصل إلى حضرة العيان صدق عليه بعض ظن الشيطان ؛ لأنه لما رأى بشرية آدم مجوفة، ظن أنه يجري معه مجرى الدم، فكل مَن لم يسد مجاريه بذكر الله، حتى يستولي الذكر على بشريته، فيصير قطعة من نور، فلا بد أن يدخل معه بعض وساوسه، ولا يزال يتسلّط على قلب ابن آدم، حتى يدخل حضرة القدس، فحينئذ يحرس منه، لقوله تعالى :﴿إِنَّ عَبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر : ٤٢]. وعباده الحقيقيون هم الذين تحرّروا مما سواه، فلم يبقَ لهم في هذا العالم علقة، وهم المرادون بقوله تعالى :﴿إِلا فريقاً من المؤمنين﴾ وما سلَّطه عليهم إلا ليتميز الخواص من العوام، فلولا ميادين النفوس، ومجاهدة إبليس، ما تحقق سير السائرين، أي : وما كان له عليهم من تسلُّط إلا لنعلم علم ظهور مَن يؤمن بالخصلة الآخرة، وهي الشهود، ممن هو منها في شك، ﴿وربك على كل شيء حفيظ﴾ يحفظ قلوب أوليائه من استيلاء غيره عليها. وبالله التوفيق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٨
قلت : حذف مفعولي زعم، أي : زعمتموهم آلهة تعبدونهم من دون الله، بدلالة السياق عليهما.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿قُلْ﴾ لهم ﴿ادعوا الذين زعمتم من دون الله﴾ أي : زعمتموهم آلهة، فعبدتموهم من دون الله، من الأصنام والملائكة، وسميتموهم باسْمِهِ، فالتجئوا إليهم فيما يعروكم، كما تلتجئون إليه في اقتحام الشدائد الكبرى. وانتظروا استجابتهم لدعائكم كما تنتظرون استجابته. وهذا تعجيز وإقامة حجة على بطلان عبادتها. ويُروى أنها نزلت عند الجوع الذي أصاب قريشاً. ثم ذكر عجزهم فقال :﴿لا يملكون مثقال ذرةٍ﴾ من خير أو شر، ونفع أو ضر ﴿في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شِرْكٍ﴾ أي : وما لهم في هذين العالَمين ؛ العلوي والسفلي، من شرك في الخلق، ولا في المُلك، ﴿وما له﴾ تعالى ﴿منهم﴾ من آلهتهم ﴿من ظهيرٍ﴾ معين يعينه على تدبير خلقه.
٧٩


الصفحة التالية
Icon