يريد أنه على هذه الصفة من العجز، فكيف يصحُّ أن يُدْعَوا كما يدعى تعالى، أو يُرْجَوا كما يُرجى سبحانه ؟
ثم أبطل قولهم :﴿هَؤُلآَءِ شُفَعَآؤُنَا عِندَ اللهِ﴾ [يونس : ١٨] بقوله :﴿ولا تنفعُ الشفاعةُ عنده إِلا لمن أَذِنَ له﴾ تعالى في الشفاعة، ممن له جاه عنده، كالأنبياء، والملائكة، والأولياء، والعلماء الأتقياء، وغيرهم ممن له مزية عند الله. وقرأ أبو عمرو والأخوان بالبناء للمفعول، أي : إلا مَن وقع الإذن للشفيع لأجله. ثم ردّ على مَن زعم من الكفار أن الملائكة تشفع، قطعاً ؛ لمكانها من الله، فقال :﴿حتى إِذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق﴾ فحتى : غاية لمحذوف، أي : وكيف تشفع قبل الإذن، وهي في غاية الخوف والهيبة من الله، إذا سمعوا الوحي صعقوا، ﴿حتى إِذا فُزِّع عن قلوبهم﴾ أي : كشف الفزع عن قلوبهم ﴿قالوا ماذا قال ربكم﴾ من الوحي ؟ ﴿قالوا الحقَّ﴾ فمَن كان هذا وصفه لا يجترىء على الشفعاعة إلا بإذن خاص. قال الكواشي : إنه يفزع عن قلوبهم حين سمعوا كلام الله لجبريل بالوحي، قال ﷺ :" إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر لأهل السماء أخذت السماوات منه رَجْفةٌ ـ أو قال : رَعْدَةٌ شديدةٌ ـ خوفاً من ذلك، فإذا سمع أهل السماوات صَعِقُوا، وخَرُّوا سُجداً، فيكون أول مَن يرفع رأسه جبريل، فيُكلمه من وَحْيِه بما أراد، ثم يَمُرُّ على سماءٍ سماء، إلى أن ينزل بالوحي، فإذا مَرَّ على الملائكة سألوه، ثم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ فيقول جبريل : قال الحقَّ " نصب المفعول بقالوا، وجمع الضمير تعظيماً لله تعالى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٩


الصفحة التالية
Icon