ثم أمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإحجاج :﴿وإِنا وإِياكم لعلى هُدىً أو في ضلالٍ مبين﴾ أي : ما نحن وأنتم على حالة واحدة، بلى على حالين متضادين، واحدنا مهتد، وهو مَن اتضحت حجته، والآخر ضال، وهو مَن قامت عليه الحجة. ومعناه : أن أحد الفريقين من الموحدين ومن المشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال. وهذا من كلام المنصف، الذي كل مَن سمعه، من مُوالٍ ومعاند، قال لمَن خوطب به : قد أنصفك صاحبك. وفي ذكره بعد تقديم ما قدّم من التقرير : دلالة واضحة على مَن هو من الفريقين على الهدى، ومَن هو في الضلال المبين، ولكن التعريض أوصل بالمجادل إلى الغرض، ونحوه قولك لمَن تحقق كذبه : إن أحدنا لكاذب، ويحتمل أن يكون من تجاهل العارف.
قال الكواشي : وهذا من المعاريض، وقد ثبت أن مَن اتبع محمداً على الهدى، ومَن لم يتبعه على الضلال. هـ ويحتمل أن يكون من اللف والنشر المرتّب. وفيه ضعف. وخولف بين حرفي الجار، الداخلين على الهدى والضلال ؛ لأن صاحب الهدى كأنه
٨١
مستعلٍ على فرس جواد، يركضُه حيث شاء، والضال كأنه منغمس في ظلام، لا يدري أين يتوجّه.
﴿قل لا تُسألون عمّا أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون﴾ أي : ليس القصد بدعائي إياكم خوفاً من ضرر كفركم، وإنما القصد بما أدعوكم إليه الخير لكم، فلا يُسأل أحد عن عمل الآخر، وإنما يُسأل كل واحد عن عمله. وهذا أيضاً أدخل في الإنصاف، حيث أسند الإجرام إلى أنفسهم، وهو محظورٌ، والعمل إلى المخَاطبين، وهو مأمورٌ به مشكورٌ. ﴿قل يجمع بيننا ربنا﴾ يوم القيامة، ﴿ثم يَفتحُ﴾ أي : يحكم ﴿بيننا بالحق﴾ بلا جور ولا ميل، فيدخل المحقّين الجنة، والمبطلين النار، ﴿وهو الفتاحُ﴾ الحاكم ﴿العليمُ﴾ بما ينبغي أن يحكم به.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٨١


الصفحة التالية
Icon