قل أَرونيَ الذي ألحقتم} أي : ألحقتموهم ﴿به شركاءَ﴾ في العبادة معه، بأي صفة ألحقتموهم به شركاء في استحقاق العبادة، وهم أعجز شيء. قال القشيري : كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك ؛ لانهماكهم في ضلالهم، مع تحققهم بأنها جمادات لا تفقه ولا تعقل، ولا تسمع ولا تبصر، ولا شبهة لهم غير تقليد أسلافهم. هـ. والمعنى قوله :﴿أَروني﴾ مع كونه يراهم : أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله، وأن يطلعهم على حالة الإشراك به، ولذلك زجرهم بقوله :﴿كلا﴾ أي : ارتدعوا عن هذه المقالة الشنعاء، وتنبّهوا عن ضلالكم. ﴿بل هو الله العزيزُ﴾ أي : الغالب القاهر، فلا يشاركه أحد، " وهو " : ضمير الشأن، ﴿الحكيمُ﴾ في تدبيره وصنعه. والمعنى : بل الوحدانية لله وحده ؛ لأن الكلام إنما وقع في الشركة، ولا نزاع في إثبات الله ووجوده، وإنما النزاع في وحدانيته. أي : بل هو الله وحده العزيز الحكيم.
الإشارة : أرزاق الأرواح والأشباح بيد الله، فأهل القلوب من أهل التجريد اشتغلوا بطلب أرزاق الأرواح، وغابوا عن طلب أرزاق الأشباح، مع كونهم مفتقرين إليه، أي : غابوا عن أسبابه. وأهل الظاهر اشتغلوا بطلب أرزاق الأشباح، وغابوا عن التوجُّه إلى أرزاق الأرواح، مع كونهم أحوج الناس إليه. وكل فريق يرجح ما هو فيه، فأهل الأسباب يعترضون على أهل التجريد، ويرجحون تعاطي الأسباب، وأهل التجريد يرجحون مقام التجريد، فيقولون لهم : وإنا أو إياكم لعلى هُدىً أو في ضلال مبين. قل : لا تُسألون عما أجرمنا، بزعمكم، من ترك الأسباب، ولا نُسأل عما تعملون. وسيجمع الله بيننا، ويحكم بما هو الحق، فإن كنتم تعتمدون على الأسباب، وتركنون إليها، فهو شرك، أروني الذين ألحقتم به شركاء، كلا، بل هو الله العزيز الحكيم، يُعز أولياءه، المتوجهين إليه، الحكيم في إسقاط مَن أعرض عنه إلى غيره.


الصفحة التالية
Icon