قال الذين استكبروا للذين استُضْعِفوا أَنحنُ صَدَدْناكم} رددناكم ﴿عن الهُدى بعد إِذ جاءكم بل كنتم مجرمين﴾ أي : بل أنتم صددتم باختباركم، ولم نقهركم على الكفر. أنكروا أنهم كانوا صادّين لهم عن الإيمان، وأثبتوا أنهم هم الذين صدُّوا أنفسهم، حيث أعرضوا عن الهدى، وآثروا التقليد عليه. وإنما وقعت " إذ " مضافاً إليها، وإن كانت " إذ " و " إذا " من الظروف اللازمة للظرفية ؛ لأنه قد اتّسع في الزمان ما لم يتَسع في غيره.
﴿وقال الذين استُضعفوا للذين استكبروا بل مكرُ الليلِ والنهارِ﴾ أي : بل مكركم بنا بالليل والنهار هو الذي صدّنا عن الهدى. أو : مَكَرَ بنا الليل والنهار، وطولُ السلامة، حتى ظننا أنكم على حق فقلدناكم. ﴿إِذ تأمروننا أن نكفرَ بالله ونَجْعَلَ له أنداداً﴾ أشباهاً، نعبدها معه. والحاصل : أن المستكبرين لَمَّا أنكروا أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين، وأثبتوا أن ذلك بسبب اختيارهم، كرّ عليهم المستضعفون بقولهم :﴿بل مكر الليل والنهار﴾ فأبطلوا إضرابهم بإضرابهم، كأنهم قالوا : ما كان الإجرامُ من جهتنا، بل من جهة مكركم بنا دائماً، ليلاً ونهاراً، وحملُكم إيّانا على الشرك واتخاذ الأنداد. ثم حصل الندم حيث لم ينفع، كما قال تعالى :﴿وأسَرُّوا الندامةَ لَمَّا رَأَوُا العذابَ﴾ أي : أضمرَ الندم كِلاَ الفريقين، وأخفاه عن رفيقه، مخافة التعيير، لَمّا رأوا العذاب، وتحققوا لحوقه بهم، فندم المستكبرون على إضلالهم وضلالهم، والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم. وقيل : معنى أسروا : أظهروا، فهو من الأضداد. ﴿وجعلنا الأغلالَ في أعناق الذين كفروا﴾ أي : في أعناقهم. فأظهر في محل الإضمار ؛ للدلالة على ما استوجبوا به الأغلال، وهو كفرهم. ﴿هل يُجزون إِلا ما كانوا يعملون﴾ أي : لا يفعل بهم إلا ما استوجبته أعمالُهم الخبيثة في الدنيا.
الإشارة : كل مَن له رئاسة وجاه، عالماً كان أو جاهلاً، وصدّ الناس عن طريق
٨٥


الصفحة التالية
Icon