يقول الحق جلّ جلاله :﴿و﴾ اذكر ﴿يوم نحشرهم جميعاً﴾ العابدين والمعبودين، ﴿ثم نقول للملائكة أهؤلاء إِياكم كانوا يعبدون﴾ ؟ هو خطاب للملائكة، وتقريع للكفرة، وارد على المثل السائر من قول العامة : الخطاب للسارية وافهمي يا جارية. ونحوه قوله :﴿ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى...﴾ [المائدة : ١١٦] الآية. وتخصيص الملائكة ؛ لأنهم أشرف شركائهم، والصالحون للخطاب منهم. ﴿قالوا سبحانك﴾ تنزيهاً لك أن يعبد معك غيرك. ﴿أنت وليُّنا من دونهم﴾ أنت الذي نُواليه من دونهم، لا موالاة بيننا وبينهم. والموالاة خلاف المعاداة، وهي مفاعلة من الولْي، وهو القرب. والوليّ يقع على المُوالِي والمُوالَى جميعاً. فبينوا بإثبات موالاةِ الله تعالى ومعاداة الكفار : براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم ؛ فإنَّ مَن كان على هذه الصفة، كانت حالُه منافية لذلك.
٨٩
ثم قالوا :﴿بل كانوا يعبدون الجنَّ﴾ أي : الشياطين، حيث أطاعوهم في عبادة غير الله، أو : كانوا يدخلون في أجواف الأصنام، إذ عُبِدَت، فيُعْبَدون بعبادتها، أو : صَوَّرت لهم الشياطين صور قوم من الجن، وقالوا : هذه صور الملائكة فاعبدوها. ﴿أكثرُهُم بهم مؤمنون﴾ أي : أكثر الإنس، أو : الكفار، ﴿بهم﴾ بالجن ﴿مؤمنون﴾ مصدقون لهم فيما يأمرونهم به. والأكثر هنا بمعنى الكل.
قال تعالى :﴿فاليومَ لا يملكُ بعضُكم لبعضٍ نفعاً ولا ضرًّا﴾ لأن الأمر في ذلك اليوم إليه وحده، لا يملك أحد فيه منفعة ولا مضرة لأحد ؛ لأن الدار دار ثواب وعقاب، والمثيب والمعاقبُ هو الله، فكانت حالها خلاف حال الدنيا، التي هي دار تكليف، والناس فيها مخلَّى بينهم، يتضارون، ويتنافعون، وأما يوم القيامة فلا فعل لأحد قط. ثم ذكر معاقبة الظالمين بقوله :﴿ونقول للذين ظلموا﴾ بوضع العبادة في غير موضعها :﴿ذُوقوا عذابَ النار التي كنتم بها تُكذِّبون﴾ في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon