ثم هدّدهم بقوله :﴿وكذّب الذين من قبلهم﴾ أي : وكذّب الذين تقدّموا من الأمم الماضية، والقرون الخالية، الرسل، كما كذّب هؤلاء. ﴿وما بَلَغُوا مِعْشَارَ ما آتيناهم﴾ أي : وما بلغ أهل مكة عُشر ما أُوتي الأولون، من طول الأعمار، وقوة الأجرام، وكثرة الأموال والأولاد، وتوالي النعم، والظهور في البلاد. والمِعشار : مِفعال، من : العشر، ولم يأتِ هذا البناء إلا في العشرة والأربعة. قالوا : معشار ومرباع. وقال في القوت : المعشار : عشر العشر. ﴿فكذَّبوا رسلي﴾ أي : فكذبت تلك الأمم رسلي، ﴿فكيف كان نكيرِ﴾ أي : فانظر كيف كان إنكاري عليهم بالهلاك والتدمير. فالنكير : مصدر، كالإنكار معنى، وكالنذير وزناً. و (كيف) للتعظيم، لا لمجرد الاستفهام، أي : فحين كذبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال، ولم تغن عنهم تلك الأموال والأولاد، وما كانوا مستظهرين به من الرئاسة والجاه، فليحذر هؤلاء أن يحل بهم مثل ما حل بأولئك ؛ لمشاركتهم لهم في الكفر والعدوان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٠
الإشارة : تكذيب الصادقين سُنَّة ماضية، وكل مَن ظهر بخصوصية يجذب الناس إلى الله، ويخرجهم من عوائدهم، قالوا : ما هذا إلا سحر مفترى، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، فحين كذَّبوا أولياء زمانهم حُرموا بركتهم، فبقوا في عذاب الحرص والتعب، والهلع والنصب. قال القشيري : إن الحكماء والأولياء ـ الذين هم الأئمة في هذه الطريقة ـ إذا دَلوا الناسَ على الله، قال إخوانهم من إخوان السوء ـ وربما كان من الأقارب وأبناء الدنيا : مَن ذا الذي يطيق هذا ؟ ولا بُد من الدنيا ما دمت تعيش!.. وأمثال هذا كثير، حتى يميل ذلك المسكين من قِبل النصح، فيهلك ويضل. هـ. باختصار. وقال في قوله تعالى :﴿وما آتيناهم من كُتُب يدرسونها..﴾ ما حاصله : إن أرباب القلوب إذا تكلموا بالحقائق،
٩١


الصفحة التالية
Icon