فأول ما يتفكر فيه الإنسان في أمره ﷺ، وما جاء به من العلوم اللدنية، والأسرار الربانية، مع ما أخبر به من قصص القرون الماضية، والشرائع المتباينة، مع كونه أُميًّا، لم يقرأ، ولم يطالع كتاباً قط، وما أخبر به من أمر الغيب، فوقع كما أخبر، وما ظهر على يديه من المعجزات، وما اتصف به عليه الصلاة والسلام ؛ من الأخلاق الحسنة، والشيم الزكية، وما كان عليه من سياسة الخلق، مع مشاهدة الحق. وهذا لا يطاق إلا بأمر رباني، وتأييد إلهي. فإذا أشرقت على قلبه أنوار النبوة، ترقى بها إلى أنوار الربوبية، فيتفكر في عجائب السموات والأرض، فيعرف عظمة صانعها، فإذا سقط على شيخ عارف بالله أدخله فكرة العيان، فيغيب عن نظرة الأكوان، ويبقى المُكوّن وحده. كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٢
يقول الحق جلّ جلاله :﴿قل ما سألتكم عليه﴾ أي : على إنذاري وتبليغ الرسالة ﴿من أَجْرٍ﴾ إذ لو كنتُ كذلك لاتهمتموني أني أطمع في أموالكم. وما طلبتُ من ذلك ﴿فهو لكم﴾ ومعناه : نفي سؤاله الأجر رأساً. نحو : ما لي في هذا فهو لك، وما تعطني تصدق به على نفسك. ﴿إِنْ أَجْريَ﴾ في ذلك ﴿إِلا على الله وهو على كل شيءٍ شهيدٌ﴾ فيعلم أني لا أطلب الأجر في نصيحتكم، ودعائكم إليه، إلا منه تعالى.
الإشارة : تقدم مراراً أن الدعاة إلى الله ينبغي لهم أن يتنزّهوا عن الطمع في الناس جهدهم، ولو اضطروا إلى ذلك ؛ إذ لا يقع النفع العام على أيديهم إلا بعد الزهد التام، والتعفُّف التام عما في أيدي الناس، فإذا تحققوا بهذا الأمر جعلهم الله حُجةً، يدمغ بهم على الباطل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٢


الصفحة التالية
Icon