والحاصل : أنه عبارة عن زهوق الباطل، حتى لا يبقى له ظهور. وعن ابن مسعود رضي الله عنه دخل النبيُّ ﷺ مكةَ يوم الفتح، وحول الكعبة أصنام، فجعل يطعنُها بعودٍ، فتقطع لقفاها، ويقول :" ﴿جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء : ٨١] قل جاء الحق وما يُبدىءُ الباطلُ وما يُعيد ". ولما قالوا له ﷺ : قد ضللت بترك دين آبائك قال الله تعالى :﴿قل إِن ضللتُ﴾ عن الحق ﴿فإِنما أَضلُّ على نفسي﴾ فإن وبال ضلالي عليها، ﴿وإِن اهتديتُ فبما يُوحي إِليّ ربي﴾ أي : فبتسديده بالوحي إِليّ. وكان قياس المقابلة أن يقال : وإن اهتديتُ فإنما أهتدي لها، كقوله :﴿فَمِنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ [الزمر : ٤١]، ولكن هما متقابلان معنًى ؛ لأنّ النفس كلّ ما يضرها فهو بسببها، وما لها مما ينفعها، فهو بهداية ربها وتوفيقه، وهذا حكم عمل لكل مكلّف. وإنما أمر رسولَه أن ينسبه إلى نفسه ؛ تشريعاً لغيره ؛ لأنه إذا كان هذا له مع جلالة قدره فما باله بغيره ؟. ﴿إِنه سميع﴾ لما أقوله لكم، ﴿قريبٌ﴾ مني ومنكم، فيجازيني ويجازيكم على ما أخفيتم وما أعلنتم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٣
الإشارة : الحق هو العلم بالله، والباطل الجهل بالله، أو : ما سوى الله، فإذا حصل للعبد العلم بالله غاب عنه كل ما سواه، وما بقي في الوجود إلا الله، وفي ذلك يقول الشاعر :
فلم يبقَ إلا الله لم يبق كائن
فما ثم موصول ولا ثم بائن>> بذا جاء برهان العيان فما أرى
بعيني إلا عينه إذ أعاين


الصفحة التالية
Icon