الحق جلّ جلاله :﴿ما يَفْتَح اللهُ للناسِ من رحمة﴾ أي : ما يطلق ويرسل من رحمة، كنعمة، ومطر، وأمن، وعافية، ورزق، وعلم، ومعرفة، ونبوة، وغيرها، ﴿فلا مُمسِكَ لها﴾ فلا أحد يقدر على إمساكها وردها، واستعير الفتح للإطلاق ؛ لأنه مسبب عنه. ونكّر الرحمة للإشاعة والإبهام، كأنه قال : من أيّ رحمة كانت، فتشمل نعمة الدفع والجلب، كدفع المحن وجلب المنن. والاعترافُ بالمنعم من تمام النعمة، والأمران مدرجان في الفتح والإمساك، ﴿وما يُمْسِكْ﴾ أي : يمنع ويحبس من ذلك ﴿فلا مُرسل له﴾ فلا مُطلق له ﴿من بعده﴾ من بعد إمساكه. وأنث الضمير الراجع إلى الاسم المتضمِّن معنى الشرط على معنى الرحمة، وذكّره ؛ حملاً على لفظ المرجوع إليه ؛ إذ لا تأنيث فيه ؛ لأن الأول فسّر بالرحمة، فحسن اتباع الضمير التفسير، ولم يفسر الثاني فتُرك على أصل التذكير.
وعن معاذ رضي الله عنه مرفوعاً :" لا تزال يدُ الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفُقْ خيارُهم بشرارهم، ويُعظّمْ بَرُّهُم فاجرَهم، وتعِنْ قراؤهم أمراءهم على معصية الله. فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم " قال ابن عرفة : يُؤخذ من قوله تعالى :﴿وما يُمسك...﴾ أن العدم السابق الإضافي متعلق للقدرة، وجعله بعض الأصوليين متعلقاً للإرادة أيضاً، وذلك لأن المصحح للتعلُّق الإمكان. هـ. قال الأُبي : لا دليل في الآية ؛ لاحتمال أن يكون التقدير : وما يريد إمساكه، فيكون من متعلقات الإرادة، ويحتمل : وما يُمسك عن الإرسال بعد وجوده، كإمساك الماء عن النزول بعد خلقه في السحاب. هـ. ﴿وهو العزيزُ﴾ الغالب، القادر على الإرسال والإمساك. ﴿الحكيمُ﴾ الذي يُرسل ويُمسك، بما تقتضي الحكمة إرساله، أو إمساكه.