الإشارة : ما يفتح الله لقلوب عباده من نفحات، وواردات، وإلهامات، وعلوم لدنية، وحِكَم ربانية، وتعرفات جمالية وجلالية، فلا ممسك لها، بل الله يفتح على مَن يشاء، ويسد الباب في وجه مَن شاء. وسدُّ الباب في وجه العبد عن معرفته الخاصة، علامته : عدم إيصاله إلى أوليائه. فكل مَن وصله إليهم، وصَحِبهم، وعظَّمهم، وخدمهم، فقد فتح الله له الباب في وصوله إليه، وكل مَن نكبه عنهم، ولم يصحبهم، كما ذكر، فقد سُدّ
١٠٠
الباب في وجهه عن معرفته العيانية. وفي الحكم :" سبحان مَن لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه ". وما يُمسك من ذلك فلا مرسل له من بعده، ولو صلّى وصام ألف عام. قال القشيري : ما يلوح لقلوب العارفين من أنوار التحقيق لا سحاب يستره، ولا ضباب يقهره. ويقال : ما يلزم قلوبَ أوليائه وأحوالهم من التيسير فلا مُمسك له، والذي يمنع من أعدائه ـ بسبب ما يُلقيهم فيه من انغلاق الأمور واستصعابها ـ فلا مُيَسِّرَ له من دونه. هـ. وبالله التوفيق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٠٠
قلت :﴿غيرُ الله﴾ : من رفعه فنعت للمحل، أي : هل خالق غير الله، ومن جره : فنعت للفظ. و ﴿يرزقكم﴾ : إما استئناف، أو : صفة ثانية لخالق، و ﴿لا إله إلا هو﴾ : مستأنفة، لا محل لها.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿يا أيها الناس اذكروا نعمةَ اللهِ عليكم﴾ باللسان والقلب، وهي التي تقدمت، من بسط الأرض كالمهاد، ورفع السماء بلا عماد، وإرسال الرسل للهداية والإرشاد، والزيادة في الخلق، وفتح أبواب الرزق. ثم نبَّه على أصل النعم، وهو توحيد المُنْعم، فقال :﴿هل من خالق غيرُ اللهِ يرزقكم من السماء﴾ بالمطر ﴿والأرض﴾ بالنبات، بل لا خالق يرزق غيره، ﴿لا إِله إِلا هو فأنى تُؤفكون﴾ فمن أيِّ وجه تُصرفون عن التوحيد إِلى الشرك.


الصفحة التالية
Icon