كائن لا محالة، فاستعدُّوا للقائه، ﴿فلا تَغُرنَّكم الحياةُ الدنيا﴾ لا تخدعنكم زخارف الدنيا الغرارة، ولا يُذهلنكم التمتُّع بها، والتلذُّذ بملاذها، والاشتغال بجمعها واحتكارها، عن التأهُّب للقاء الله، وطلب ما عنده. وفي الحديث :" فلا تخدعنكم زخارف دنيا دنية، عن مراتب جنات علية، فكأنْ قد كشف القناع، وارتفع الارتياب، ولاقى كل امرىء مستقره، وعرف مثواه ومنقلبه " ﴿ولا يغرنكم بالله الغرورُ﴾ أي : الشيطان، فإنه يُمنِّيكم الأماني الكاذبة، ويقول : إن الله غني عن عبادتك وعن تكذيبك. أو : إن الله غفور لمَن عصاه.
﴿إِنَّ الشيطانَ لكم عدوٌّ﴾ ظاهر العداوة، فعل بأبيكم ما فعل، وأنتم تعاملونه معاملة الحبيب الناصح، ﴿فاتخِذوه عدواً﴾ فلا تقبلوا غروره في عقائدكم وأفعالكم، وكُونوا على حذر منه في جميع أحوالكم ؛ إذ لا يوجد منه إلا ما يدل على عداوته في سركم وجهركم.
قال الورتجبي : إنه عدو ؛ لأنه من عالم القهر خُلق، ونحن من عالم اللطف خُلقنا. والطبعان متخالفان أبداً، لأن القهر واللطف تسابقا في الأزل، فسبق اللطفُ القهر، فعداوته من جهة الطبع الأول، والجهل بالعصمة، وأنوار التأييد والنصرة، ومَن لا يعرفه بما وصفنا، كيف يتخذه عدواً ؟ وهو لا يعرف مكائده، ولا يعرف مكائده إلا وليّ أو صدِّيق. هـ.
ثم خطّأ مَن اتبعه ؛ بأن غرضه أن يورد شيعَته موارد الهلاك، بقوله :﴿إِنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ فهو تقرير لعداوته، وبيان لغرضه في دعوى شيعته إلى اتباع الهوى، والركون إلى الدنيا، أي : إنما يدعوهم إلى الهوى، ليكونوا من أهل النار.
ثم بيَّن مآل مَن اتبعه ومَن عاداه، فقال :﴿الذين كفروا لهم عذاب شديد﴾ أي : فمَن أجابه إلى ما دعي فله عذاب شديد ؛ لأنه صار من حزبه وأتباعه، ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ ولم يجيبوه، ولم يصيروا من حزبه، بل عادوه، ﴿لهم مغفرةٌ وأجر كبير﴾ لكبر جهاده ودوامه.