يقول الحق جلّ جلاله :﴿من كان يريدُ العِزَّةَ﴾ أي : الشرف والمنعة على الدوام، في الدنيا والآخرة، ﴿فللّه العزةُ جميعاً﴾ فليطلبها من عنده، بالتقوى، والعلم، والعمل الصالح، كالزهد في الدنيا، والتبتُّل إلى الله، أي : فالعزة كلها مختصة بالله، عز الدنيا وعز الآخرة. وكان الكفار يتعززون بالأصنام، كما قال تعالى :﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزًّا﴾ [مريم : ٨١]، والمنافقون كانوا يتعزّزون بالمشركين، كما قال تعالى :﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعاً﴾ [النساء : ١٣٩]، فبيَّن أن العزة إنما هي لله بقوله :" فإن العزة لله " فليطلبها مَن أرادها من عنده. فوضع قوله :﴿فلله العزةُ﴾ موضعه، استغناء به عنه ؛ لدلالته ؛ لأن الشيءَ لا يُطلب إلا من عند صاحبه ومالكه. ونظيره قولك : مَنْ أراد النصيحة ؛ فهي عند الأبرار، أي : فليطلبها من عندهم. وفي الحديث :" إن ربكم يقول كل يوم : أنا العزيز، فمَن أراد عزّ الدارين فليُطِعِ العزيز ". ثم ذكر ما يطلب به العز، وهو العمل المقبول، بقوله :﴿إِليه يَصْعدُ الكَلِمُ الطيبُ﴾ كلمة التوحيد : لا إله إلا الله، وما يلحقها من الأذكار، والدعاء، والقراءة. وعنه ﷺ :" هو سُبحان الله والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبرُ. إذا قالها العبدُ عَرَجَ بها الملكُ إلى السماء، فحَيّا بها وَجْهَ الرحمن " وكان القياس : الطيبة، ولكن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا التاء يُذكّر ويؤنّث. ومعنى الصعود : القبول والرضا، وكل ما اتصف بالقبول وُصف بالرفعة والصعود.