﴿والعملُ الصالحُ﴾ كالعبادة الخالصة ﴿يرفعه﴾ الله تعالى، أي : يقبله. أو : الكلم الطيب، فالرافع على هذا الكلم الطيب، والمرفوع العمل الصالح، أي : والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب ؛ لأن العمل متوقف على التوحيد، المأخوذ من الكلم الطيب ؛ وفيه إشارة إلى أن العمل يتوقف على الرفع، والكَلِم الطيب يصعد بنفسه، ففيه ترجيح الذكر على سائر العمل. وقيل : بالعكس، أي : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فإذا لم يكن
١٠٦
عمل صالح فلا يقبل منه الكلم الطيب. وقيل : والعمل الصالح يرفعُ العامل ويشرفه، أي : مَن أراد العزّة والرفعة فليعمل العمل الصالح ؛ فإنه هو الذي يرفع العبد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٠٦
ثم ذكر سبب الذل في الدارين، فقال :﴿والذين يمكرون﴾ المكرات ﴿السيئاتِ﴾ فالسيئات : صفة لمصدر محذوف ؛ لأن " مكر " لا يتعدى بنفسه. والمراد : مكر قريش برسول الله ﷺ حين اجتمعوا في دار الندوة ؛ كما قال تعالى :﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [الأنفال : ٣٠] الآية. ﴿لهم عذاب شديد﴾ في الآخرة، ﴿وَمَكْرُ أولئك هو يَبورُ﴾ أي : يفسد ويبطل، دون مكر الله بهم، فالضمير يفيد الاختصاص.
الإشارة : العز على قسمين : عز الظاهر، وعز الباطن، فعز الظاهر هو تعظيم الجاه وبُعد الصيت، واحترام الناس لصاحبه، ولمَن تعلّق به، وسببه : التقوى، والعلم، والعمل، ومكارم الأخلاق ؛ كالسخاء، والتواضع، وحسن الخلق، والإحسان إلى عباد الله. وعز الباطن : هو الغنى بالله، وبمعرفته، والتحرُّر من رق الطمع، والتحلّي بحلية الورع. وسببه الذل لله، يُظهر ذلك بين أقرانه، كما قال الشاعر :
تذلَّلْ لمَن تَهْوَى لِتَكْسِبَ عِزةً
فكم عزةٍ نالها المرء بالذُّلِّ>> إذا كان مَن تَهْوى عزيزاً ولم تكن
ذليلاً له فاقْرِ السلامَ على الوَصْلِ