يقول الحق جلّ جلاله :﴿والله خَلَقَكم﴾ أي : أباكم ﴿من تراب، ثم﴾ أنشأكم ﴿من نُطفةٍ ثم جعلكم أزواجاً﴾ أصنافاً، أو : ذكراناً وإناثاً، ﴿وما تحمل من أُنثى ولا تضعُ إِلا بعلمه﴾ إلا معلومة له، وقتاً وكيفية، ﴿وما يُعَمَّرُ من مُعَمَّرٍ﴾ أي : وما يمد في عمر أحد فيكون طويلاً. وإنما سمّاه معمّراً لِمَا هو صائر إليه، ﴿ولا يُنْقَصُ من عُمُرِه﴾ أي : يكون عمره قصيراً ﴿إِلا في كتاب﴾ أي : اللوح المحفوظ، أو : صحيفة الإنسان. وقال ابن جبير :" مكتوب في أول الكتاب : عمره كذا وكذا، ثم يكتب أسفل ذلك : ذهب يوم، ذهب يومان، ذهب ثلاثة، حتى ينقطع عمره ". ففسر النقص بالذهاب، ولا يذهب شيء من عمره إلا في كتاب. ويمكن أن يُجري على ظاهره، باعتبار المحو والإثبات في غير أم الكتاب، كما ورد في صلة الرحم وقطعها. وانظر عند قوله :﴿يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَآءُ...﴾ [الرعد : ٤٠] إلخ. ﴿إِنَّ ذلك على الله يسيرٌ﴾ أي : إحصاء الأعمار، أو زيادتها ونقصانها، سهل على علم الله وقدرته.
الإشارة : أصل نشأة الأشباح من الصلصال، وأصل نشأة الأرواح من نور الكبير المتعال، فمَن غلبت طينته على روحانيته، وهواه على عقله، التحق بالبهائم، ومَن غلبت روحانيته على بشريته، وعقله على هواه، التحق بالملائكة الكرام.


الصفحة التالية
Icon