يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولا تَزِرُ وازرة وِزْرَ أُخرى﴾ أي : ولا تحمل نفس آثمة إثمَ نَفْسٍ أخرى، والوزر والوِقر أخوان، ووزَر الشيء : حمله. والمعنى : أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته، فلا تؤخذ نفس بذنب نفس أخرى، كما تأخذ جبابرةُ الدنيا الظلمةُ الجارَ بجريمة الجار، والقريبَ بالقريب، فذلك ظلم محض. وأما قوله تعالى :﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت : ١٣] ففي الضالّين المضلّين، فإنهم يحملون أثقال إضلالهم وأثقال ضلالهم، وكل ذلك أوزارهم، ليس فيها شيء من أوزار
١١٣
غيرهم. ألا ترى كيف كذّبهم الله تعالى في قوله :﴿اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [العنكبوت : ١٢].
قال ابن عطية : مَن تطرق من الحكام إلى أخذ قريب بقريبه في جريمة ـ كفعل زياد ونحوه، فإن ذلك، لأن المأخوذ ربما أعان المجرم بمؤازرة، أو مواصلة، أو اطلاع على حاله، أو تقرير له، فهذا قد أخذ من الجُرم بنصيب. وهذا هو المعنى بقوله تعالى :﴿وليحملن أثقالهم...﴾ الآية ؛ لأنهم أغروهم، وهو معنى قوله ﷺ :" مَن سنَّ سُنَّة حسنة.. " الحديث، فراجعه. قلت : لا يجوز الإقدام على ظلم أحد بمجرد الظن، فالصواب حسم هذا الباب، والتصريح بتحريمه ؛ لكثرة جوز الحُكام.


الصفحة التالية
Icon