﴿وما يستوي الأحياءُ ولا الأمواتُ﴾ تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين، أبلغ من الأول، ولذلك كرر الفعل، وقيل : للعلماء والجهال. وزيادة " لا " في الجميع للتأكيد، وهذه الواوات بعضها ضمت شفعاً إلى شفع، وبعضها وترأً إلى وتر. ﴿إِن الله يُسْمِعُ من يشاء﴾ بهدايته وتوفيقه لفهم آياته والاتعاظ بها. ﴿وما أنت بمُسْمِعٍ مَن في القبور﴾ شبّه الكفار بالموتى، حيث لا ينتفعون بمسموعهم، مبالغة في تصاممهم، يعني أنه تعالى عَلِمَ مَن يدخل في الإسلام ممن لا يدخل، فيهدي مَن يشاء هدايته، وأما أنت فخفي عليك أمرهم، فلذلك تحرص على إسلام قوم مخذولين، فإنذارهم كإنذار مَن في القبور من الموتى.
قال ابن عطية : الآية تمثيل بما يحسّه البشر، ويعهده جميعنا من أنَّ الميت الذي في القبر لا يسمع، وأما الأرواح ؛ فلا نقول : إنها في القبر، بل تتضمن الأحاديث أن أرواح المؤمنين في شجر عند العرش، وفي قناديل وغير ذلك، وأن أرواح الكفرة في سجِّين، ويجوز في بعض الأحيان أن تكون الأرواح عند القبور، فربما سمعت، وكذلك أهل قليب بدر، إنما سمعت أرواحهم، فلا تعارض بين الآية وحديث القليب. هـ.
ثم قال تعالى :﴿إِن أنت إِلا نذيرٌ﴾ أي : ما عليك إلا التبليغ والإنذار، فإن كان المنذر ممن يسمع الإنذار نفعه، وإن كان من المصريين فلا عليك.
﴿إِنَّا أرسلناك بالحق﴾ أي : محقاً، أو : محقين : أو : إرسالاً مصحوباً بالحق، فهو
١١٥