يقول الحق جلّ جلاله :﴿ألم تَرَ أن الله أنزلَ من السماء ماءً فأخرجنا به﴾ بالماء ﴿ثمراتٍ مختلفاً ألوانُها﴾ أي : أجناسها، كالرمان، والتفاح، والتين، والعنب، وغيرها مما لا يُحصى، أو : ألوانها : هيئاتها من الحُمرة والصفرة ونحوهما. ﴿ومن الجبال جُدَد﴾ طُرق مختلفة اللون. جمع : جُدَّة، كمُدَّةٍ ومُدَدٍ. والجُدة : الطريقة والخطة، تكون في الجبل، تخالف لون ما يليها. وكل طريقة من سواد أو بياض فهي جُدة. قاله الهروي. وهي مبتدأ وخبر، أي : وطرق ﴿بِيض وحُمْرٌ﴾ كائنة من الجبال.
﴿وغرابيبُ سود﴾ أي : ومنها غرابيب سود، أي : ومن الطرق سود غرابيب ؛ جمع : غربيب، وهي الذي أبعد في السواد وأغرب، ومنه : الغراب. قال الهروي : هي الجواد ذوات الصخور السود، والغربيب : شديد السواد. هـ. وفي الصحاح : تقول هذا أَسود غربيب، أي : شديد السواد، وإذا قلت : غرابيب سود ؛ تجعل السود بدلاً من غرابيب ؛ لأن توكيد الألوان لا يتقدم. هـ. تقول : أصفر فاقع، وأسود حالك، ولا يتقدم الوصف، ونقل الكواشي عن أبي عبيد : أن في الآية تقديماً وتأخيراً، تقديره : وسود غرابيب. وفائدته : أن يكون المؤكد مضمراً، والمظهر تفسيراً له، فيدل على الاعتناء به، لكونهما معاً يدلان على معنىً واحد. هـ. ولا بد من تقدير حذف مضاعف في قوله :﴿ومن الجبال جُدَد﴾ أي : من الجبال ذو جدد بيض، وحمر، وسود غرابيب ؛ حتى يؤول إلى قولك : ومن الجبال مختلف ألوانه، كما قال :﴿ثمرات مختلفاً ألوانها﴾.
﴿ومن الناس والدوابِّ والأنعامِ مختلفٌ ألوانه﴾ أي : ومنهم صنفٌ مختلف ألوانه بالحمرة والصفرة والبياض والسواد. ﴿كذلك﴾ أي : كاختلاف الثمرات والجبال. قال القشيري : تخصيص الفعل بهيئته وألوانه من أدلة قصد الفاعل وبرهانه. فإتقان الفعل وإحكامه شواهد الصنع وإعلامه. وكذلك أيضاً الناس والدواب والأنعام، بل جميع المخلوقات، متجانس الأعيان، مختلف الصفات، وهو دليل ثبوت منشئها بنعت الجلال هـ.