وإنما قدّم الظالم للإيذان بكثرتهم، وأنّ المقتصد : قليلٌ بالإضافة إليهم، والسابقون أقل من القليل. وقال ابن عطاء : إنما قدم الظالم لئلا ييأس من فضله. وقيل : إنما قدّمه ليعرّفه أن ذنبه لا يبعده من ربِّه. وقيل : لأن أول الأحوال معصية، ثم توبة، ثم استقامة. وقال سهل : السابق : العالم، والمقتصد : المتعلم، والظالم : الجاهل. وقال أيضاً : السابق : الذي اشتغل بمعاده، والمقتصد : الذي اشتغل بمعاشه ومعاده، والظالم : الذي اشتغل بمعاشه عن معاده. وقيل : الظالم الذي يعبده على الغفلة والعادة، والمقتصد : الذي يعبده على الرغبة والرهبة، والسابق : الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق. وقيل : الظالم : مَن أخذ الدنيا حلالاً وحراماً، والمقتصد : المجتهد ألا يأخذها إلا من حلال، والسابق : مَن أعرض عنها جملة.
وقيل : الظالم : طالب الدنيا، والمقتصد : طالب الآخرة، والسابق : طالب الحق لا يبغي به بدلاً. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه. وقال عكرمة والحسن وقتادة : الأقسام الثلاثة في جميع العباد ؛ فالظالم لنفسه : الكافر، والمقتصد : المؤمن العاصي، والسابق : التقي على الإطلاق. وقالوا هذه الآية نظير قوله تعالى :﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً﴾ [الواقعة : ٧] والتحقيق ما تقدّم.
وقوله :﴿بإِذْنِ الله﴾ أي : بأمره، أو : بتوفيقه وهدايته ﴿ذلك﴾ أي : إيراث الكتاب والاصطفائية. أو السبق إلى الخيرات ﴿هو الفضلُ الكبيرُ﴾ الذي لا أكبر منه، وهو ﴿جناتُ عَدْنٍ يدخلونها﴾ أي : الفرق الثلاث ؛ لأنها ميراث، والعاق والبار في الميراث سواء، إذا كانوا مقرين في النسب. وقرأ أبو عمرو بالبناء للمفعول. ﴿يُحلَّون فيها من أساورَ﴾ جمع أَسورة، جمع سوار، ﴿من ذَهَبٍ ولؤلؤاً﴾ أي : من ذهب مرصَّع باللؤلؤ. وقرأ نافع بالنصب، عطف على محل أساور، أي : يحلون أساور ولؤلؤاً. ﴿ولباسُهُم فيها حريرٌ﴾ لِمَا فيه من اللذة واليونة والزينة.