قلت : وهذا النوع من المتوجهين غلب عليه سُكْر المحبة، ودهش العشق، فادعى قوة الربوبية، وطلب إدراك الألوهية، ونسي ضعف عبوديته، فكان ظالماً لنفسه، من هذا المعنى ؛ إذ العبودية لا تطيق إدراك كنه الربوبية. ولو أنه طلب الوصول إليه من جهة فقره، وضعفه، لكان مقتصداً، ولو أنه طلب الوصول إلى الله بالله لكان سابقاً. فالأقسام الثلاثة تجري في المتوجهين ؛ فالظالم لنفسه : مَن غلب سُكْره على صحوه في بدايته، والمقتصد مَن غلب صحوه على سُكْره في بداية سيره، والسابق مَن اعتدل سُكره مع صحوه في نهايته أو سيره.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٣
أو الظالم : السالك المحض، والمقتصد : المجذوب المحض، والسابق : الجامع بينهما ؛ إذ هو الذي يصلح للتربية. أو الظالم : الذي ظاهره خيرٌ من باطنه، والمقتصد : الذي استوى ظاهره وباطنه، والسابق : هو الذي باطنه خير من ظاهره.
وعن عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ : الظالم : الآخذ بأقوال النبي ﷺ، والمقتصد : الآخذ بأقواله وأفعاله، والسابق : الآخذ بأقواله وأفعاله وأخلاقه. وقال القشيري : ويقال الظالم : مَن غلبت زلاَّته، والمقتصد : مَن استوت حالاته، والسابقُ : مَن زادت حسناته. أو : الظالمُ : مَنْ زهد في دنياه، والمقتصدُ : مَن رغب في عقباه، والسابق : مَن آثر على الدارين مولاه. أو : الظالم مَن نَجَمَ كوكبُ عقله، والمقتصد : مَن طَلَعَ بدرُ عِلْمه، والسابق : مَن ذَرَّت شمسُ معرفته. أو : الظالم : مَن طلبه، والمقتصد : مَن وجده، والسابق : مَن بقي معه. أو : الظالم : مَن ترك الزلة، والمقتصد : مَن ترك الغفلة، والسابق : مَن ترك العلاقة. أو : الظالم : مَن جاد بنفسه، والمقتصد : مَن لم يبخل بقلبه، والسابق : مَن جاد بروحه. أو : الظالم : مَن له علم اليقين، والمقتصد : مَن له عين اليقين، والسابق : مَن له حق اليقين. أو : الظالم : بترك الحرام، والمقتصد : بترك الشُّبهة، والسابق : بترك الفضل في الجملة.