والحاصل : أن التخفيف يقع في بعض الكفار، لبره في الدنيا، تفضلاً منه تعالى، لا في مقابلة عملهم ؛ لعدم شرط قبوله. انظر الحاشية.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٧
كذلك﴾ أي : مثل ذلك الجزاء الفظيع، ﴿نجزي كلَّ كفور﴾ مبالغ في الكفران ﴿وهم يصطرخون فيها﴾ : يستغيثون، فهو يفتعلون، من : الصراخ، وهو الصياح بجهد ومشقة. فاستعمل في الاستغاثة لجهر صوت المستغيث. يقولون :﴿ربَّنا أخْرِجنا﴾ منها، ورُدنا إلى الدنيا ﴿نعملْ صالحاً غير الذي كنا نعملُ﴾ فنؤمن بعد الكفر، ونُطيع بعد المعصية. فيُجابون بعد قدر عمر الدنيا :﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم ما يتذكَّرُ فيه مَن تَذَكَّرَ﴾ أي : أَوَلَم نعمركم تعميراً يتذكر فيه المتذكر. وهو متناول لكل عمر يتمكن منه المكلّف من إصلاح شأنه، والتدبُّر في آياته، وإن قصُر، إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم. وقيل : هو ثماني عشرة سنة. وقيل : ما بين العشرين إلى الستين، وقيل : أربعون. وروي أن العبد إذا بلغ أربعين سنة ولم يتب، مسح الشيطان على وجهه. وقال : وجه لا يُفلح أبداً، وقيل : ستون. وعنه ﷺ :" العمر الذي أعذر الله فيه ابن آدم ستون سنة "، وفي البخاري عنه عليه السلام :" أعذر الله المرء آخر أجله حتى بلغ ستين سنة ". ﴿وجاءكم النذيرُ﴾ أي : الرسول عليه السلام، أو : الكتاب، وقيل : الشيخوخة، وزوال السن، وقيل : الشيب. قال ابن عزيز : وليس هذا شيء ؛ لأن الحجة تلحق كل بالغ وإن لم يشب. وإن كانت العرب تسمي الشيب النذير. هـ. ولقوله تعالى بعدُ :﴿فلما جاءهم نذير﴾ فإنه يتعين كونه الرسول، وهو عطف على معنى :﴿أو لم نعمركم﴾ لأن لفظه استخبار، كأنه قيل : قد عمَّرناكم وجاءكم النذير. قال قتادة : احتج عليهم بطول
١٢٨
العمر، وبالرسول، فانقطعت حجتهم. قال تعالى :﴿فذُوقوا﴾ العذاب ﴿فما للظالمين من نصيرٍ﴾ يدفع العذاب عنهم.