الإشارة : الذين كفروا بطريق الخصوصية، وأنكروا وجود التربية بالاصطلاح، فبقوا مع نفوسهم، لهم نار القطيعة ولو دخلوا الجنة الحسية، لا يُقضى عليهم فيموتوا، ويرجعوا إلى الاستعداد بدخول الحضرة، ولا يُخفف عنهم من عذاب حجاب الغفلة، بل يزيد الحجاب بتراكم الحظوظ، ونسج الأكنة على القلوب، كذلك نجزي كل كفور وجحود لطريق التربية. وهم يصطرخون فيها، بلسان حالهم، قائلين : ربنا أخرجنا، ورُدّنا إلى دار الفناء، نعمل صالحاً غير الذي كنا نعملُ، حتى ندخل، كما دخلها أهل العزم واليقظة ؟ فيقال لهم : أَوَلَم نُعمركم ما يتذكر فيه مَن تذكر، وجاءكم النذير، مَن ينذركم وبال القطيعة، ويُعرفكم بطريق الحضرة، فأنكرتموه، فذُوقوا وبال القطيعة، فما للظالمين من نصير.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٧
يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِن الله عالمُ غيبِ السماوات والأرض﴾ أي : ما غاب فيهما عنكم، ﴿إِنه عليم بذاتِ الصدور﴾ تعليل لِمَا قبله ؛ لأنه إذا عَلِمَ ما في الصدور، وهي أخفى ما يكون، فقد عَلِمَ كل غيب في العالم. وذات الصدور : مضمراتها ووساوسها. وهي تأنيث " ذو " بمعنى : صاحب الوساوس والخطرات، تصحب الصدور وتُلازمها في الغالب، أي : عليم بما في القلوب، أو بحقائقها، على أن " ذات " بمعنى الحقيقة.
﴿هو الذي جعلكم خلائفَ في الأرض﴾ أي : جعلكم خلفاء عنه في التصرُّف في الأرض، قد ملككم مقاليد التصرُّف فيها، وسلطكم على ما فيها، وأباح لكم منافعها ؛ لتشكروه بالتوحيد والطاعة. ﴿فمَن كفر﴾ منكم، وغمط مثل هذه النعمة السنيّة، ﴿فعليه كُفْرُه﴾ فوبالُ كفره راجعٌ عليه، وهو مقتُ الله، وخسران الآخرة، كما قال تعالى :﴿ولا يزيدُ الكافرين كفرُهُم عند ربهم إلا مَقْتاً﴾ وهو أشد البغض، ﴿ولا يزيد الكافرين كُفْرُهُم إِلا خساراً﴾ هلاكاً وخسراناً.


الصفحة التالية
Icon