الإشارة : إن الله عالم بما غاب في سموات الأرواح، من أسرار العلوم والمكاشفات، والاطلاع على أسرار الذات، وأنوار الصفات، وما غاب في أرض النفوس من الموافقات أو المخالفات، إنه عليم بحقائق القلوب، من صفائها وكدرها، وما فيها من اليقين والمعرفة، وضدهما.
١٢٩
قال القشيري :﴿إِنَّ الله عالمُ غيبِ السماواتِ والأرضِ﴾ بإخلاص المخلصين، وصدق الصادقين، ونفاق المنافقين، وجحد الكافرين، ومَن يريد بالناس شرًّا، ومَن يُحْسِن بالله ظَنًّا. هـ.
وقال في قوله تعالى :﴿هو الذي جعلكم خلائف﴾ أهل كلِّ عصرٍ خليفة عصر تقدمهم، فَمِنْ قومِ هم أنفسهم جَمال، ومن قوم أراذل وأنذال، والأفاضلُ زمانهم لهم محنة، والأراذلُ هم لزمانهم محنة. وحاصل كلامه : أن قوماً عرفوا حق الخلافة، فقاموا بحقها، وشكروا الله عليها، بالقيام بطاعته، فكانوا في زمانهم جمالاً لأنفسهم، ولأهل عصرهم، لكنهم لَمَّا تحمّلوا مشاق الطاعات، وترادف الأزمات، كان زمانهم لهم محنة. وقوماً لم يعرفوا حق الخلافة، فاشتغلوا بالعصيان، فانتحس الزمان بهم، فكانوا محنة لزمانهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٩
قلت :" أرأيتم " : بمعنى : أخبروني، وهي تطلب مفعولين : أحدهما منصوب، والآخرُ مُشتمل على استفهام، كقولك : أرأيت زيداً ما فعل، فالأول :﴿شركاءكم﴾ والثاني :﴿ماذا خلقوا﴾. و ﴿أروني﴾ : اعتراض، فيها تأكيد للكلام وتشديد. ويحتمل أن يكون من باب التنازع ؛ لأنه توارد على ﴿ماذا خلقوا﴾ :﴿أرأيتم﴾ و ﴿أروني﴾، ويكون قد أعمل الثاني على المختار عند البصريين. قاله أبو حيان. ولابن عطية وابن عرفة غير هذا، فانظره. و " بعضهم " : بدل من " الظالمين ".