يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِن الله يُمسك السماواتِ والأرضَ أن تزولاَ﴾ أي : يمنعهما من أن تزولا ؛ لأن إمساكهما منع. والمشهور عند المنجمين : أن السموات هي الأفلاك التي تدور دورة بين الليل والنهار. وإنكار ابن يهود على كعب، كما في الثعلبي، تحامل ؛ إذ لا يلزم من دورانها عدم إمساكها بالقدرة، وانظر عند قوله :﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا...﴾ [يس : ٣٨] قال القشيري : أمسكهما بقدرته، وأتقنهما بحكمته، وزينهما بمشيئته، وخلق أهلهما على موجب قضيته، فلا شبيه في إبقائهما وإمساكهما يُسَاهِمُه، ولا شريك في إيجادهما وإعدامهما يقاسمه. هـ.
﴿ولَئِن زَالَتَا﴾ على سبيل الفرض، ﴿إِنْ أَمْسَكَهُما من أحدٍ من بعده﴾ من بعد إمساكه. و " من " الأولى : مزيدة، لتأكيد النفي، والثانية : ابتدائية، ﴿إِنه كان حليماً غفوراً﴾ غير معاجل بالعقوبة، حيث أمسكهما على مَن يشرك به ويعصيه، وكانتا جديرتين بأن تهدّ هدّاً، كما قال :﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ...﴾ [مريم : ٩٠] الآية.
الإشارة : الوجود قائم بين سماء القدرة وأرض الحكمة، بين سماء الأرواح وأرض الأشباح، بين سماء المعاني وأرض الحس، فلو زال أحدهما لاختل نظام الوجود، وبطلت حكمة الحكيم العليم. الأول : عالم التعريف، والثاني : عالم التكليف. الأول : محل التنزيه، والثاني : محل التشبيه، الأول : محل أسرار الذات، والثاني : محل أنوار الصفات، مع اتحاد المظهر ؛ إذ الصفات لا تفارق الموصوف، فافهم. وفي بعض الأثر :" إن العبد إذا عصى الله استأذنت السماء أن تسقط عليه من فوقه، والأرض أن تخسف من تحته، فيمسكها الله تعالى بحلمه وعفوه، ثم تلى الآية :﴿إِن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا﴾ إلى قوله :﴿كان حليماً غفوراً﴾ هـ. بالمعنى.
ثم ذكر عناد قريش وعتوهم، تتميماً لقوله :﴿والذين كفروا لهم نار جهنم...﴾ إلخ.
١٣١
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣١


الصفحة التالية
Icon