قلت :" جهد " : نصب على المصدر، أو على الحال. و " استكبار " و " مكر " : مفعول من أجله أو حال.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وأقسموا بالله جَهْدَ أيمانهم﴾ أي : إقساماً وثيقاً، أو : جاهدين في أيمانهم :﴿لئن جاءهم نذير﴾ رسول ﴿ليكونن أهدى من إحدى الأمم﴾ المهتدية، بدليل قوله :﴿أهدى﴾ وقوله في سورة الأنعام :﴿لَكُنَّآ أَهْدَى مِنْهُمْ﴾ [الأنعام : ١٥٧] وذلك أن قريشاً قالوا قبل مبعث النبي ﷺ لَمَّا بلغهم أن أهل الكتاب كذّبوا رسلهم : لعن الله اليهود والنصارى، أتتهم الرسل فكذبوهم، فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم، أي : من الأمة التي يقال فيها : هي أهدى الأمم، تفضيلاً لها على غيرها في الهُدى والاستقامة. كما يقال للداهية العظيمة : هي أهدى الدواهي. فلما بُعث رسول الله ﷺ، ﴿ما زادهم إِلا نُفوراً﴾ أي : ما زادهم مجيء الرسول ﷺ إلا تباعداً عن الحق، وهو إسنادٌ مجازيّ ؛ إذ لا فاعل غيره.
﴿استكباراً في الأرض ومكرَ السيىء﴾ أي : ما زادهم إلا تهوُّراً للاستكبار ومكر السيىء. أو : مستكبرين وماكرين برسول الله ﷺ والمؤمنين، المكر القبيح، وهو إجماعهم على قتله عليه الصلاة والسلام، وإذاية مَن تبعه. وأصل قوله :﴿ومكر السيىء﴾ : وأن مكروا المكر السيىء، فحذف الموصوف استغناء بوصفه، ثم أبدل " أن " مع الفعل بالمصدر، ثم أضيف إلى صفته اتساعاً، كصلاة الأولى، ومسجد الجامع. ﴿ولا يحيق المكرُ السيىء إِلا بأهله﴾ أي : لا يحيط وينزل المكر السيىء إلا بمَن مكره، وقد حاق بهم يوم بدر. وفي المثل : مَن حفر حفرة وقع فيها
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٢