يقول الحق جلّ جلاله : هذا أو هو ﴿تنزيل العزيز﴾ أي : الغالب القاهر بفصاحة نظم كتابه أوهامَ ذوي العناد، ﴿الرحيم﴾ الجاذب بلطافة معنى خطابه أفهامَ ذوي الرشاد. أنزلناه ﴿لتُنذر﴾ به ﴿قوماً﴾ أو : أرسلناك لتنذر قوماً غافلين، ﴿وما أُنذر آباؤهم﴾ أي : غير منذر آباؤهم، كقوله :﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ [السجدة : ٣] وقوله :﴿ومَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ﴾ [سبأ : ٤٤] أو : لتُخوف قوماً العذاب الذي أُنذر به آباؤهم، لقوله :﴿إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً﴾ [النبأ : ٤٠]. أو : لتنذر قوماً إنذار آبائهم، وهو ضعيف ؛ إذ لم يتقدم لهم إنذار. ﴿فهم غافلون﴾ إن جعلت " ما " نافية فهو متعلق بالنفي، أي : لم ينذروا فهم غافلون، وإلا فهو متعلق بقوله :﴿إنك لمن المرسلين﴾ لتنذر قوماً، كقولك : أرسلته إلى فلان لينذره فهو غافل.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٧
لقد حقَّ القولُ على أكثرهم فهم لا يؤمنون﴾
يعني قوله :﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةٍ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة : ١٣] أي : تعلق بهم هذا القول، وثبت عليهم ووجب ؛ لأنه عَلِمَ أنهم يموتون على الكفر. قال ابن عرفة : إنذارهم مع إخباره بأنهم لا يُؤمنون ليس من تكليف ما لا يطاق عقلاً وعادة، وما لا يطاق من جهة السمع يصح التكليف به، اعتباراً بظاهر الأمر، وإلا لزم أن تكون التكاليف كلها لا تطاق، ولا فائدة فيها ؛ لأنَّ المكلفين قسمان : فمَن عَلِمَ تعالى أنه لا يؤمن فلا فائدة في أمره بالإيمان ؛ إذ لا يطيق عدمه. هـ. قلت : الحكمة تقتضي تكليفهم ؛ لتقوم الحجة عليهم أو لهم، والقدرة تقتضي عذرهم. والنظر في هذه الدار ـ التي هي دار التكليف ـ للحكمة لا للقدرة.
١٣٧


الصفحة التالية
Icon