ثم مثّل تصميمهم على الكفر، وأنه لا سبيل إلى ارْعوائهم، بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، وكالحاصلين بين سدّين، لا ينظرون ما قدّامهم ولا ما خلفهم، بقوله :﴿إِنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقانِ﴾ معناه : فالأغلال واصلة إلى الأذقان ملزوزة إليها، ﴿فهم مُقمَحُون﴾ مرفوعة رؤوسهم إلى فوق، يقال : قمح البعيرَ فهو قامح ؛ إذا روي فرفع رأسه، وهذا لأنّ طوق الغلّ الذي في عُنُق المغلول، يكون في ملتقى طرفيه، تحت الذقن، حلقة، فلا تخليه يطأطىء رأسه، فلا يزال مقمحاً. والغل : ما أحاط بالعنق على معنى التثقيف والتعذيب. والأذقان والذقن : مجتمع اللحيين. وقيل :" فهي " أي : الأيدي. وذلك أن الغل إنما يكون في العنق مع اليدين. وفي مصحف أُبي :" إنا جعلنا في أيمانهم أغلالاً " وفي بعضها :" في أيديهم فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ".
﴿وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا﴾ بفتح السين وضمها ـ قيل : ما كان من عمل الناس فبالفتح، وما كان من خلق الله، كالجبل ونحوه، فبالضمّ، أي : جعلنا الموانع والعوائق محيطة بهم، فهم محبوسون في مطمورة الجهالة، ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل، ﴿فأغشيناهم﴾ أي : فأغشينا أبصارهم، أي : غطيناها وجعلنا عليها غشاوة، ﴿فهم لا يُبصرون﴾ الحق والرشاد.


الصفحة التالية
Icon