وهذا معنى قوله هنا :﴿فَكذَّبُوهُما﴾ أي : فكذّب أصحابُ القرية المرسلين، ﴿فعَزَّزْنَا﴾ : قويناهما. وقرأ شعبة بالتخفيف، من : عزّه : غلبه، أي : فغلبنا وقهرنا ﴿بثالثٍ﴾ وهو شمعون، وترك ذكر المفعول به ؛ لأنَّ المراد ذكر المعزّز به، وهو شمعون، وما لطف به من التدبير حتى عزّ الحق، وذلّ الباطل. وإذا كان الكلامُ مُنصبًّا إلى غرض من الأغرض جُعل سياقه له وتوجُّهه إليه كأنما سواه مرفوض. ﴿فقالوا﴾ أي : الثلاثة لأهلِ القرية :﴿إِنا إِليكم مُرْسَلُونَ﴾ من عند عيسى، الذي هو من عند الله. وقيل : كانوا أنبياء من عند الله ـ عزّ وجل ـ أرسلهم إلى قرية، ويرجحه قول الكفرة :﴿ما أنتم إِلا بشرٌ مثلُنا﴾ إذ هذه محاورة إنما تقال لمَن ادعى الرسالة، أي : ما أنتم إلا بشر، ولا مزية لكم علينا، ﴿وما أنزلَ الرحمنُ من شيءٍ﴾ أي : وحياً، ﴿إِن أنتم إِلا تكْذِبون﴾ فيما تدعون من الرسالة. ﴿قالوا ربُّنا يعلمُ إِنا إِليكم لمرسَلون﴾ أكَّد الثاني باللام دون الأول ؛ لأن الأول مجرد إخبار، والثاني جواب عن إنكار، فيحتاج إلى زيادة تأكيد. و ﴿ربنا يعلم﴾ جارٍ
١٤١
مجرى القسم في التأكيد، وكذلك قولهم : شَهِد الله، وعَلِمَ اللهُ. ﴿وما علينا إِلا البلاغُ المبينُ﴾ أي : التبليغ الظاهر، المكشوف بالآيات الظاهرة الشاهدة بصحته.
﴿قالوا إِنا تَطَيَّرْنا بكم﴾ تشاءمنا بكم. وذلك أنهم كرهوا دينهم، ونفرت منه نفوسهم. وعادة الجهّال أن يتيمّنوا بكل شيء مالوا إليه، وَقَبِلَتْهُ طباعُهم، ويتشاءموا بما نفروا عنه، وكرهوه، فإن أصابهم بلاء، أو نعمة، قالوا : بشؤم هذا، وبركة ذلك. وقيل : حبس عنهم المطر، فقالوا ذلك. وقيل : ظهر فيهم الجذام، وقيل : اختلفت كلماتهم. ثم قالوا لهم :﴿لئن لم تَنْتَهوا﴾ عن مقالتكم هذه ﴿لَنَرْجُمَنَّكُم﴾ لنقتلنكم بالحجارة، أو : لنطردنّكم، أو : لنشتمنكم، ﴿وَلَيَمَسَّنكم منا عذابٌ أليم﴾ وليصيبنّكم منا عذاب الحريق، وهو أشد العذاب.


الصفحة التالية
Icon