الإشارة : إذا عامت أفكار العارفين، في بحار التوحيد، وأسرار التفريد، تلاطمت عليها أمواج الدهش من كبرياء الله، فإن سبق لها سابق عناية الاعتدال ؛ أوت إلى سفينة الشريعة، بعد ركوبها في فلك الحقيقة، وإليه الإشارة في قوله :﴿حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون﴾. وإن لم تسبق له عناية، غَرِقَ في بحر الزندقة والإلحاد، كما قال تعالى :﴿وإن نشأ نُغرقهم فلا صريخ لهم﴾ من شيخ كامل، ولا هم يُنقذون إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين الكمال، فيعتدل. قال القشيري : الآية إشارة إلى حَمْلِ الخَلْقِ في سفينة السلامة، في بحار التقدير، عند تلاطم أمواجها، بفنونٍ من التغيير والتأثير، وكم من عبدٍ غرق في أشغاله، في ليله ونهاره، لا يستريح لحظةً في كَدِّ أفعاله، ومقاساة التعب من أعماله، وجَمْعِ ماله، بنسيان عاقبته ومآلِه. ثم قال في قوله تعالى :﴿وإِن نشأ نُغرقهم﴾ : لولا صفة جُوده وفَضْله ؛ لَحَلَّ بهم من البلاء ما حَلَّ بأمثالهم، لكنه لحُسْنِ إفضاله، حفظهم في جميع أحوالهم. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٤٩
قلت : جواب " إذا " محذوف، أي : أعرضوا، فدلّ عليه قوله :" معرضين ".
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وإِذا قيل لهم﴾ أي : كفار قريش :﴿اتقوا ما بين أيديكُم وما خلفَكُم﴾ أي : ما تقدّم من ذنوبكم، وما تأخّر مما أنتم تعملونه بعدُ، أو : ما بين أيديكم : ما سلف من مثل الوقائع التي حلَّت بالأمم المكذبة قبلكم، وما خلفكم من أمر الساعة، أو : ما بين أيديكم من فتنة الدينا، وما خلفكم من عذاب الآخرة. ﴿لعلكم تُرحمون﴾ لتكونوا في رجاء رحمة الله، فإذا قيل لهم ذلك أعرضوا.
١٥٠


الصفحة التالية
Icon