﴿اليوم نَخْتِمُ على أفواهِهِم﴾ أي : نمنعهم من الكلام، ﴿وتُكلِّمُنا أيديهم وتشهدُ أرجُلُهم بما كانوا يكسِبُون﴾ يُروى : أنهم يجحدون، ويُخاصمون، فتشهد عليهم جيرانهم، وأهاليهم، وعشائرهم، فيحلفون : ما كانوا مشركين، فحينئذ يُختم على أفواههم، وتتكلم أيديهم وأرجلهم. وفي الحديث :" يقول العبد يوم القيامة : إني لا أُجيزُ عليّ إلا شاهداً من نفسي، فيُخْتم على فِيهِ، ويُقال لأركانه : انْطِقي، فتنطِقُ بأعماله، ثم يُخَلِّي بينه وبين الكلام، فيقول : بُعداً لكُنَّ، وسُحْقاً، فعنكُنّ كنت أُناضِلُ ". الإشارة : كل مَن آثر حظوظه ومُناه، ولم يقدر على مجاهدة هواه، حتى مات
١٥٦
محجوباً عن الله، يلحقه شيء من هذا التقريع. والصراط المستقيم : هو طريق التربية، التي توصِّل إلى الحضرة، التي قام ببيانها الأولياء العارفون بالله. ولقد أضلَّ الشيطانُ عنها خلقاً كثيراً، حملهم على طلب الدنيا والرئاسة والجاه، فلم يقدروا على التفرُّغ لذكر الله، ولم يحُطوا رؤوسهم لمَن يُعَرِّفهم بالله، فيُقال لهم : هذه نار القطيعة التي كنتم تُوعدون، إن بقيتم مع حظوظكم ورئاستكم، اصلوها اليوم بكفركم بطريق التربية، اليوم نختم على أفواههم، فلا مناجاة بينهم وبين حبيبهم، وتُكلمنا أيديهم، وتشهد أرجلهم ـ بلسان الحال أو المقال ـ بما كانوا يكسبون من التقصير.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٦
قال القشيري : قوله :﴿وتُكلمنا أيديهم...﴾ إلخ، فأمَّا الكفار فشهادةُ أعضائِهم عليهم مؤبدة، وأما العُصَاةُ من المؤمنين فقد تشهد عليهم أعضاؤهم بالعصيان، ولكن تشهد عليهم بعض أعضائهم بالإحسان، وأنشدوا :
بيني وبينك يا ظلومُ الموقِفُ
والحاكم العَدْلُ، الجوادُ المُنْصِفُ


الصفحة التالية
Icon