فأبلى جدتي نشرٌ وطي>> أراني كلَّ يومٍ في انتقاصٍ
ولا يبقى مع النقصان شي
وهذا في الجثة والمباني، دون الأحوال والمعاني، فإن الأحوال ـ في حق الجثة ـ في الزيادة إلى بلوغ حَد الخَرَفِ، فيَخْتَلُّ رأيُه وعَقْلُه. وأصحاب الحقائق تشيب ذوائبُهم، ولكنَّ محابَّهم ومعانيَهم في عنفوان شبابها، وطراوة جدَّتها. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٧
١٥٨
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وما علَّمناه الشِّعْرَ﴾ أي : وما علّمنا نبينا محمداً الشعر، حتى يقدر أن يقول شعراً، فيُتهم على القرآن، أو : وما علّمناه بتعلُّم القرآن الشعر، على معنى : أن القرآن ليس بشعر، فإنه غير مقفّى ولا موزون، وليس معناه ما يتوقاه الشعراء من التخييلات المرغبة والمنفرة ونحوها. فأين الوزن فيه ؟ وأين التقفيه ؟ فلا مناسبة بينه وبين كلام الشعراء، ﴿وما ينبغي له﴾ أي : وما يليق بحاله، ولا يتأتى له لو طلبه، أي : جعلناه بحيث لو أراد قَرْضَ الشعر لم يتأتّ له، ولم يسهل، كما جعلناه أُميًّا لم يهتدِ إلى الخط ؛ لتكون الحجة أثبت، والشبهة أدحض.
وأما قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ "، وقوله :" هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصبعٌ دَمِيتِ، وفِي سَبِيلِ الله ما لَقِيتِ "، فهو مما اتفق وزنه من غير قصد، كما يتفق في خطاب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم، ولا يسمى شعراً إلا ما قصد وزنه.
ولَمَّا نفى القرآن أن يكون من جنس الشعر، قال :﴿إِن هو إِلا ذِكْرٌ﴾ أي : ما الذي يُعلِّم ويقوله إلا ذكر من الله، يُوعظ به الإنس والجن، ﴿وقرآنٌ﴾ أي : كتاب سماوي، يُقرأ في المحاريب، ويُتلى في المتعبّدات، ويُنال بتلاوته والعملِ به أعلا الدرجات. فكم بينه وبين الشعر، الذي هو من همزات الشيطان ؟ !.


الصفحة التالية
Icon