ثم ذكر برهان إحيائه الموتى بقوله :﴿الذي جعل لكم من الشَّجَرِ الأخضر﴾ كالمَرْخ والعَفَار، ﴿ناراً فإِذا أنتم منه تُوقِدُون﴾ تقدحون، ولا تشكون أنها نار خرجت منه، فمَن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر، مع ما فيه من المائية، المضادة للنار، كان أقدر على إيجاد الحياة والغضاضة فيما غضا ويبس، وهي الزناد عند العرب، وأكثرها من المَرْخ والعَفار، وفي أمثالهم :" في كلّ شجر نار، واستمجد المرخُ والعفار " أي : استكثر في هذين الصنفين. وكان الرجل يقطع منهما غصنين مثل السوَاكين، وهما خضراوان، يقطر منهما الماء، فيسحق المرخ ـ وهو ذكر ـ على العفار ـ وهي أنثى ـ فينقدح النار بإذن الله تعالى. وعن ابن عباس رضي الله عنه : ليس من الشجر شجرة إلا وفيها نار، إلا العناب ؛ لمصلحة الدقّ للثياب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦١
والمرخُ ـ ككتف : شجر سريع الورى. قاله في الصحاح. وهو المسمى عندنا بالكُلخ. وفي القاموس : عَفار كسحاب : شجر يتخذ منه الزناد. قال ابن عطية : النار موجودة في كل عود، غير أنها في المتحلحَل، المفتوح المسام، أوجد، وكذلك هو المَرْخ والعَفار. هـ.
١٦٢
﴿أَوَليس الذي خلق السماواتِ والأرضَ﴾ مع كبر جرمهما، وعظم شأنهما ﴿بقادرٍ على أن يَخْلُقَ مِثْلَهم﴾ مثل أجسامهم في الصِّغر والحقارة، بالإضافة إلى السموات والأرض، أو : أن يعيدهم مثل ما كانوا عليه في الذات والصفات ؛ لأن المعاد مثل المبْدأ، بل أسهل، ﴿بَلى﴾ أي : قُل : بَلى هو قادر على ذلك، ﴿وهو الخلاَّقُ﴾ كثير الخلق والاختراع، ﴿العليمُ﴾ بأحوال خلقه، أو : كثير المخلوقات والمعلومات.


الصفحة التالية
Icon