يقول الحق جلّ جلاله :﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ أي : فاستخبر كفّار مكّة ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً﴾ أي : أقوى خلقاً وأعظم، أو : أصعب خلقاً وأشقه. ﴿أَم مَّنْ خَلَقْنَا﴾ يعني ما ذكر من السماء والأرض وما بينهما، وما يعمرهما من الملائكة والكواكب، والشُهب الثواقب ؟ وجيء بـ " مَنْ " تغليباً للعقلاء. ويدلّ عليه قراءة مَن قرأ :(أم من عددنا) بالتشديد والتخفيف. والقصد : الرد على منكري البعث، فإنَّ مَن قدرَ على خلق هذه العوالم، على عظمها، كان على بعثهم أقدر.
ثم ذكر ضعف أصلهم بقوله :﴿إِنا خلقناهم من طين لازب﴾ لاصق باليد، أو :
١٦٧
لازم. وقرىء به، أي : يلزم مَن جاوره ويلصق به. وهذا شاهد عليهم بالضعف ؛ لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة. أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خُلقوا منه إنما هو تراب، فمن أين استنكروا أن نخلق من تراب مثله خلقاً آخر ؟ حيث قالوا :" أَءِذَا كُنَّا تُرَاباً " [الرعد : ٥]، الخ، وهذا المعنى يعضده ما يتلوه بعدُ ؛ من ذكر إنكارهم البعث.
﴿بل عَجِبْتَ﴾ من تكذيبهم إيَّاك، وإنكارهم البعث، ﴿ويَسْخَرون﴾ هم منك، ومن تعجُّبك، أو : مِن أمر البعث، قال الكواشي : ولَمَّا لم تؤثِّر فيهم البراهين، أَمَرَ نبيَّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالإضراب عنهم، والإعجاب منهم، حيث لم يؤمنوا به وبالبعث، والمعنى : إنك تعجبت من تكذيبهم، وهم يسخرون منك ومن تعجُّبك. هـ. قال قتادة : لَمَّا نزل القرآنُ عجب منه النبي ﷺ، واعتقد أنه لا يسمعه أحد إلا آمن به، فلما سَمِعَه المشركون، ولم يؤمنوا، وسخروا، تعجَّب من ذلك. هـ. وذكر ابن عطية وغيره : أن الآية نزلت في رُكانة، الذي صرعه ﷺ، وذكر ابن عبد البر : أنه أسلم يوم الفتح. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٧


الصفحة التالية
Icon