﴿يُطاف عليهم بكأسٍ﴾ إناء من زجاج فيه شراب، ولا يكون كأساً حتى يكون فيه شراب، وإلا فهو إناء. وقد تسمّى الخمر كأساً. قال الأخفش : كل كأس في القرآن فهو خمر. ومثل لابن عباس. ﴿من مَّعِين﴾ من خمر معين، أي : جارية في أنهار ظاهرة للعيون، وصف بما وصف به الماء ؛ لأنه يجري في الجنة أنهاراً، كما يجري الماء، قال تعالى :﴿وأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ﴾ [محمد : ١٥]. وقوله :﴿بيضاءَ﴾ صفة للكأس، أي : صافية في نهاية اللطافة. ﴿لذةٍ للشاربين﴾ أي : لذيذة للشاربين، وصفت باللذة، كأنها نفس اللذَة وعينُها. أو : ذات لذة. ﴿لا فيها غَوْلٌ﴾ أي : لا تغتال عقولَهم فتذهب بها، كخمر الدنيا،
١٧٢
وهو من : غاله يغوله : إذا أهلكه وأفسده. أو : لا فيها غول : إثم، أو وجع بطن أو صداع، وهو وجع الرأس، أي : لا ينشأ عنها شيء مما ذكر. ﴿ولا هم عنها يُنْزَفُون﴾ يسكرون، من : نُزِف الشارب : إذا ذهب عقله. ويقال للسكران : نزيف، ومنزوف. ومَن قرأ بكسر الزاي فمعناه : لا يَنْفَد شرابهم، يقال : أنزف الرجل فهو مُنزف : إذا فنيت خمرته.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٢
وعندهم قَاصِرَاتُ الطرْفِ﴾
أي : حور قصرت أبصارهنّ على أزواجهن، لا يمددن طرفاً إلى غيرهم ﴿عِينٌ﴾ : جمع عيناء، أي : نجلاء، واسعة العين. يقال : رجل أعين، وامرأة عيناء، ورجال ونساءٌ عينٌ. ﴿كأنهنَّ بَيْضٌ مكنونٌ﴾ مصون مستور. شبههنّ ببيض النعام المكنون من الريح والغبار، في الصفاء والبياض.
﴿فأقبل بعضُهم على بعضٍ يتساءلون﴾ في الجنة، تساؤل راحة وتنعُّم. والمعنى : أنهم يشربون ويتحادثون على الشرب، كعادة الشَّرْب. قال الشاعر :
ومَا بَقيتُ من اللَّذَّاتِ إِلاَّ
أحاديثُ الكِرَامِ عَلَى المُدَامِ
أو : أقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى عليهم في الدنيا. وجيء به ماضياً على ما عرف في أخباره المحققة الوقوع.


الصفحة التالية
Icon