يقول الحق جلّ جلاله :﴿قال قائِلٌ منهم﴾ أي : من أهل الجنة ﴿إِني كان لي قَرِينٌ﴾ في الدنيا، قيل : كان شيطاناً، وقيل : من الإنس، ففيه التحفُّظ من قرناء السوء، وقيل : كانا شريكين بثمانية آلاف دينار، أحدهما : قطروس، وهو الكافر، والآخر : يهوذا، المؤمن، فكان أحدهما مشغولاً بعبادة الله، وكان الآخر مُقبلاً على ماله، فحلَّ الشركة مع المؤمن، وبقي وحده ؛ لتقصير المؤمن في التجارة، وجعل الكافر كلما اشترى شيئاً من دار، أو جارية، أو بستان، عرضه على المؤمن، وفخر عليه، فيمضي المؤمن، ويتصدّق بنحو ذلك، ليشتري به من الله تعالى في الجنة. فكان من أمرهما في الجنة ما قصّه اللهُ تعالى في هذه الآية. قال السهيلي : هما المذكوران في سورة الكهف بقوله :﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ...﴾ [الكهف : ٣٢] إلخ.
﴿يقول﴾ أي : قرين السوء، لقرينه المؤمن في الدنيا :﴿أَئِنَّك لمِنَ المُصدِّقين﴾ بالبعث ؟ ﴿أَئِذَا مِتْنا وكنا تراباً وعظاماً أَئِنا لمدينون﴾ لمحاسبون ومجزيون بأعمالنا ؟ من : الدين، وهو الجزاء.
﴿قال﴾ ذلك القائل لمَن معه في الجنة :﴿هل أنتم مُطَّلِعُون﴾ معي إلى النار، لأريكم حال ذلك القرين. قيل : إن في الجنة كُوىً ينظر أهلُها منها إلى أهل النار. قلت : حال الجنة كله خوارق، فيُكشف لهم عن حال أهل النار كيف شاء. وقيل : القائل : هو الله، أو : بعض الملائكة. يقول لهم : هل تُحبون أن تطلعوا على أهل النار، لأريكم ذلك القرين، أو : لتعلموا منزلتكم من منزلتهم. قال الكواشي : أو : إن المؤمن يقول لإخوانه من أهل الجنة : هل أنتم ناظرون أخي في النار ؟ فيقولون له : أنت أعرف به منا، فانظر إليه. ﴿فاطَّلَع﴾ على أهل النار ﴿فرآه﴾ أي : قرينه ﴿في سواءِ الجحيم﴾ في وسطها.
١٧٤