﴿قال تالله إِنْ كِدتَّ لتُردِينِ﴾ لتُهلكني بإغوائك. و " إن " مخففة، واللام : فارقة، أي : إنه قربت لتهلكني، ﴿ولولا نعمةُ ربي﴾ عليَّ بالهداية، والعصمة، والتوفيق للتمسُّك بعروة الإسلام، ﴿لكنتُ من المحْضَرين﴾ معك، أو : من الذين أُحضروا العذاب، كما أُحْضِرْتَه أنت وأمثالك.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٤
أفما نحن بميتين إِلا مَوْتتنا الأولى وما نحن بمعذَّبين﴾
الفاء للعطف على محذوف، أي : أنحن مخلّدون فما نحن بميتين ولا معذّبين. وعلى هذا يكون الخطاب لرفقائه في الجنة، لما رأى ما نزل بقرينه، ونظر إلى حاله وحال رفقائه في الجنة، تحدُّثاً بنعمة الله. أو : قاله بمرأى من قرينه ومسمع ؛ ليكون توبيخاً له، وزيادة تعذيب، ويحتمل أن يكون الخطاب لقرينه، كأنه يقول : أين الّذي كنت تقول في الدنيا من أنَّا نموت، وليس بعد الموت عقاب ولا عذاب ؟ كقوله :﴿إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى﴾ [الدخان : ٣٥] والتقدير : أكما كنت تزعم هو ما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى، وما نحن بمعذَّبين، بل الأمر وقع خلافَه، وكان يقال له : نحن نموت ونُسأل في القبر، ثم نموت ونحيا، فيقول : ما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذَّبين. وقوله تعالى :﴿إِنَّ هذا لهو الفوزُ العظيمُ...﴾ إلخ، يحتمل أن يكون من خطاب المؤمن لقرينه، وأن يكون من خطاب الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام، أي : إن هذا النعيم الذي نحن فيه لهو الفوز العظيم. ثم قال الله عزّ وجل :﴿لمِثْلِ هذا فليعملِ العاملون﴾ أي : لنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون، لا للحظوظ الدنيوية، المشوبة بالآلام، السريعة الانصرام. أو : لمثل هذا فليجتهد المجتهدون، ما دام يُمكنهم الاجتهاد، فإنَّ الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، فبقدر ما يزرع هذا يحصد ثَمَّ، وسيندم المفرط إذا حان وقت الحصاد.


الصفحة التالية
Icon