جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٦
أَيَقتُلُني والمشْرَفيُّ مُضَاجِعي
ومَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كأنيابِ أغْوَالِ
﴿فإِنهم لآكلونَ منها﴾ أي : من طلع تلك الشجرة، ﴿فمالِئُون منها البطونَ﴾ مما يبلغهم من الجوع الشديد، فيملؤون بطونهم منها مع تناهي بشاعتها، ﴿ثم إِنَّ لهم عليها﴾ على أكلها، أي : بعدما شَبِعوا منها، وغلبهم العطش، وطال استقاؤهم، ﴿لَشَوْباً من حميم﴾ أي : لشراباً من غساق، أو : حديد، مشوباً بماء حار، يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم، في مقابلة ما قال في شراب أهل الجنة :﴿وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ﴾ [المطففين : ٢٧] وأتى بـ " ثم " ؛ لما في شرابهم من مزيد البشاعة والكراهة ؛ فإِنَّ الزقوم حار محرق، وشرابهم أشد حرًّا وإحراقاً.
﴿ثم إِن مرجِعَهُم لإِلى الجحيم﴾ أي : إنهم يُخرجون من مقارهم في الجحيم ـ وهو الدركات التي أُسْكِنُوها ـ إلى شجرةَ الزقوم، فيأكلون منها إلى أن يتملَّوا. ويشربون بعد ذلك، ثم يرجعون إلى دركاتهم، كما تورد الإبل، ثم ترد إلى وطنها. ومعنى التراخي في ذلك ظاهر.
ثم ذكر سبب عذابهم، فقال :﴿إِنهم أَلْفَوا آباءَهُم ضالِّينَ فهم على آثارهم يُهْرَعُون﴾ علّل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد بتقليد آبائهم في الضلال، وترك اتباع الدليل. والإهراع : الإسراع الشديد. كأنهم يزعجون ويُحثّون حثّاً. وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى اتباعهم من غير توقف ولا نظر. ﴿ولقد ضلَّ قبلهم﴾ قبل قومك قريش ﴿أكثرُ الأولين﴾ يعني الأمم الماضية، بالتقليد وترك النظر. ﴿ولقد أرسلنا فيهم مُّنذِرِين﴾ أنبياء، حذّروهم العواقب. ﴿فانظر كيف كان عاقبة المنذَرِين﴾ الذين أنذروا، وحذّروا، فقد أُهلكوا جميعاً، ﴿إِلا عبادَ اللهِ المخلصين﴾ أي : إلا الذين آمنوا، وأخلصوا دينهم لله، أو : أخلصهم الله لدينه، على القراءتين.