الإشارة : إذا قامت القيامة انحاز الجمال كله إلى أهل الإيمان والإحسان، وانحاز الجلال كله إلى أهل الكفر والعصيان، فيرى المؤمنُ من جماله تعالى وبره وإحسانه ما لا تفي به العبارة، ويرى الكافر من جلاله تعالى وقهره ما لا يكيف. وأما في دار الدنيا فالجمال والجلال يجريان على كل أحد، مؤمناً أو كافراً، كان من الخاصة أو العامة، غير أن الخاصة يزيدون إلى الله تعالى في الجلال والجمال ؛ لمعرفتهم في الحالتين. وأما العامة فلا يزيدون إلا بالجمال ؛ لإنكارهم في الجلال. والمراد بالجلال : كل ما يقهر النفس ويذلها. والله تعالى أعلم.
١٧٧
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٦
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ولقد نادانا﴾ أي : دعانا ﴿نوحٌ﴾ حين أيس من قومه بقوله :﴿أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ﴾ [القمر : ١٠] أو : دعانا ؛ لِنُنجيه من الغرق، ﴿فَلَنِعْمَ المجيبون﴾ أي : فأجبناه أحسن الإجابة، ونصرناه على أعدائه، وانتقمنا منهم بأبلغ ما يكون، فوالله لَنِعْمَ المجيبون نحنُ، فحذف القسم ؛ لدلالة اللام عليه. وحذف المخصوص، والجمع ؛ دليل العظمة والكبرياء. ﴿ونجيناه وأهلَه﴾ ومَن آمن به وأولاده المؤمنين ﴿من الكَرْبِ العظيم﴾ وهو غمّ الغرق، أو : إذاية قومه، ﴿وجعلنا ذريتَه هم الباقين﴾ وقد فني غيرهم. قال قتادة : الناسُ كلهم من ذرية نوح، وكان لنوح عليه السلام ثلاثة أولاد : سام ـ وهو أبو العرب وفارس والروم ـ وحام ـ وهو أبو السودان، من المشرق إلى المغرب ـ ويافث ـ وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج ـ وقد نظمه بعضهم، فقال :
العرب والروم وفارس اعلمن
أولاد سام فيهم الخير كَمَن> > من نسل حام نشا السودان
شرقاً وغرباً، ذا له برهان>> يأجوج مأجوج من الصقالبة
ليافث، لا خير فيهم قاطبه