والكذب حرام إلا إذا عرّض. والذي قاله إبراهيم عليه السلام مِعْراض من الكلام، أي : سأسقم، أو : مَنْ في عنقه الموت سقيم، أو : سقيم مما أرى من مخالفتكم وعبادتكم الأصنام. وعلى كل حال لم يلم إبراهيمُ بشيء من الكذب، وإنما عرّض. وأيضاً : إنما كان لمصلحة، وقد أُبيح لها، كالجهاد ونحوه. وفي الحديث :" ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، ما منها واحدة إلا وهو يناضل عن دينه ؛ قوله :﴿إِني سقيم﴾، وقوله :﴿فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ﴾ [الأنبياء : ٦٣]، وقوله لسارة : هي أختي ". قال السدي : خرج معهم إلى بعض الطريق، فوقع في نفسه كيده آلهتهم، فقال : إني سقيم أشتكي رجلي. ﴿فتولوا عنه مدبرين﴾ أعرضوا عنه مولين الأدبار، ﴿فراغَ إِلى آلهتهم﴾ فمال إليها سرًّا، وكانت اثنين وسبعين صنماً من خشب، وحديد، ورصاص، ونحاس، وفضة، وذهب، وكان كبيرهم من ذهب، في عنقه ياقوتتان، ﴿فقال﴾ لها، استهزاء :﴿ألا تأكلون﴾ من الطعام الذي وُضع عندكم، ﴿ما لكم لا تنطقون﴾ ؟ والجمع بالواو والنون ؛ لأنه خاطبها خطاب مَن يعقل. ﴿فَرَاغَ عليهم﴾ فمال إليهم سرًّا، فضربهم ﴿ضرباً باليمين﴾ أي : ضرباً شديداً بالقوة ؛ لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدّهما، أو : بالقوة والمتانة، أو : بسبب الحلف الذي سبق منه بقوله :﴿وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم﴾ [الأنبياء : ٥٧].
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٠
فأقبلوا إِليه﴾ إلى إبراهيم ﴿يَزِفُّونَ﴾ : يسرعون، من : الزفيف، وهو الإسراع.
١٨٠
وكان قد رآه بعضهم يكسرها. فأخبرهم، فلما جاء مَن لم يره قال لمَن رآه :﴿مَن فَعَلَ هَذَا بِئَالِهَتِنَآ﴾ [الأنبياء : ٥٩] فأجابوه على سبيل التعريض :﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء : ٦٠]، ثم قالوا بأجمعهم : نحن نعبدها وأنت تكسرها ؟ فأجابهم بقوله :