﴿قال أتعبدون ما تنحتون﴾ : ما تنجزونه بأيديكم من الأصنام ؟ ﴿واللهُ خلقكم وما تعملون﴾ أي : وخلق ما تعملونه من الأصنام : أو :" ما " مصدرية، أي : وخلق أعمالكم. وهو دليلنا في خلق الأفعال لله تعالى، أي : الله خالقكم وخالق أعمالكم، فلِمَ تعبدون غيره ؟ !. ﴿قالوا ابْنُوا له﴾ أي : لأجله ﴿بُنياناً﴾ من الحجر، طوله ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرون ذراعاً، ﴿فَأَلْقُوه في الجحيم﴾ في النار الشديدة، وقيل : كل نار بعضها فوق بعض فهو جحيم. فبنوه وملؤوه حطباً، وأضرموه ناراً، ﴿فأَرادوا به كيداً﴾ بإلقائه في النار، ﴿فجعلناهم الأسفلين﴾ المقهورين عند إلقائه، حين خرج من النار سالماً، فعلاهم بالحُجة والنصرة. قيل : ذكر أسفل : هنا ؛ لمناسبة ذكر البناء، بخلاف سورة الأنبياء. ﴿وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ﴾ [الأنبياء : ٧٠].
الإشارة : كلُّ عبدٍ مأمور بكسر صنمه، وهو : ما تَرْكَنُ إليه نفسُه من حظٍّ، أو هوىً، أو علم، أو عمل، أو حال، أو مقام. وفي الإشارات عن الله تعالى : لا تركنن لشيء دوننا، فإنه وبال عليك، وقاتلٌ لك، فإن ركنتَ إلى العلم تتبعناه عليك، وإن أويتَ إلى العمل رددناه إليك، وإن وثقت بالحال وقفناك معه، وإن أنست بالوجد استدرجناك فيه، وإن لحظت إلى الخلق وكلناك إليهم، وإن اعتززت بالمعرفة نكرناها عليك، فأيّ حيلة لك، وأيّ قوة معك ؟ فارضنَا لك ربًّا حتى نرضاك لنا عبداً. هـ. ولا بأس أن يتعلّل لنفسه، ويحتال عليه بحيل، كما تعلّل الخليل للقعود لكسر الأصنام، لعلها تُوافقه على ترك ما تهواه وتركن إليه، كما قال القائل :
فاحتلْ على النفس فرُبّ حيله
أنفع في النصرة من قبيله
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٨٠
١٨١