قلت :" معه " : يتعلق بمحذوف، أي : بلغ السعي يسعى معه، ولا يتعلق ببلغ ؛ لأنه يقتضي الاشتراك في البلوغ، ولا بالسعي ؛ لأن المصدر لا يتقدم عليهم عموله، إلا أن يُقال : يتسع في الظروف ما لا يتسع في غيرها.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وقال﴾ إبراهيمُ :﴿إِني ذاهبٌ إِلى ربي﴾ إلى موضع أمرني ربي بالذهاب إليه، وهو الشام، أو : إلى مرضاة ربي، بامتثال أمره بالهجرة أو : إلى المكان الذي أتجرّد فيه إلى عبادة ربي، ﴿سَيَهدين﴾ أي : سيرشدني إلى ما فيه صلاح ديني، أو : إلى مقصدي، وإنما بتَّ القول لسبق وعده ؛ لأن الله وعده بالهداية، أو : لفرط توكله، أو : للبناء على عادته معه. ولم يكن كذلك حال موسى عليه السلام حيث عبَّر بما يقتضي الرجاء.
ثم قال :﴿ربِّ هَبْ لي من الصالحين﴾ بعض الصالحين، يُعينني على الدعوة والطاعة، ويُونسي في الغربة. يريد الولد ؛ لأن لفظ الهبة غلب على الولد. ﴿فبشَّرناه بغلامٍ حليم﴾ انطوت البشارة على ثلاث : على أنّ الولد ذكر، وأنه يبلغ أوانَ الحُلم ؛ لأن الصبيَّ لا يُوصف بالحلم، وأنه يكون حليماً، وأيّ حليم أعظم من حلمه، حيث عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق، فقال :﴿سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات : ١٠٢]، ثم استسلم. وقيل : ما نعت الله نبيًّا بالحلم إلا إبراهيم وابنَه ؛ لمَعَزَّةِ وجوده.


الصفحة التالية
Icon