يقول الحق جلّ جلاله :﴿وبشَّرناه﴾ أي : إبراهيم ﴿بإِسحاق﴾ بعد امتحانه، ﴿نبياً﴾ أي : يكون نبيّاً. قال قتادة : بشِّره بنبوة إسحاق بعدما امتحنه بذبحه. قالوا : ولا يجوز أن يُبشَّر بنبوته وذبحه معاً ؛ لأن الامتحان لا يصح مع كونه عالماً بأن سيكون نبيًّا. هـ. قلت : لا يبعد أن يُبَشَّر بهما معاً قبل المحنة ؛ لأن العارف لا يقف مع وعد ولا وعيد ؛ لاتساع علمه، فإن الوعد قد يكون متوقفاً على شروط، قد لا يُلم العبد بها، وراجع ما تقدم عند قوله :﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ﴾ [يوسف : ١١٠] بالتخفيف، وعند قوله :﴿وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾ [الأحزاب : ١١]. ثم قال قتادة : وهذه حجة لمَن يقول : إن الذبيح كان إسحاق. ومَن قال : كان إسماعيل الذبيح، قال : بشَّر إبراهيم بولد يكون نبيًّا بعد القصة، لطاعته. هـ. وذكر ابن عطية عن مالك أنه نزع بهذه الآية لكون الذبيح إسماعيل، انظر بقية كلامه. وتقدّم الجواب عنه، فإنَّ الأُولى بولادته، وهو بنبوته. انظر الحاشية.
١٨٦
وقوله :﴿من الصالحين﴾ : حال ثانية، وورودها على سبيل الثناء ؛ لأن كل نبيّ لا بد أن يكون من الصالحين. قال ابن عرفة : الصلاح مقول بالتشكيك، فصلاح النبي أعظم من صلاح الولي. هـ. ﴿وباركنا عليه وعلى إِسحاقَ﴾ أي : أفضنا عليهم بركات الدين والدنيا. وقيل : باركنا على إبراهيم في أولاده، وعلى إسحاق بأن أخرجنا من صلبه ألف نبيّ، أولهم يعقوب، وآخرهم عيسى عليه السلام. ﴿ومن ذُريَّتِهما﴾ أي : إبراهيم وإسحاق، وليس لإسماعيل هنا ذكر، استغناء بذكر ترجمته في مريم، ﴿محسنٌ﴾ مؤمن ﴿وظالمٌ لنفسه﴾ بالكفر ﴿مبينٌ﴾ ظاهر كفره. أو : محسن إلى الناس، وظالم لنفسه بتعدِّيه عن حدود الشرع.


الصفحة التالية
Icon