قلت : القول بأن الملائكة مجردات عن المادة، هو قول الفلاسفة، ونحى إليه الغزالي. وهو مناقض للقرآن والحديث ؛ لأن كونهم صفوفاً قائمين، أو ساجدين، أو سائرين، يقتضي تشكيلَهم وتحييزَهم، فيستلزم المادة ؛ إلا أنها نورانية لطيفة، وكذلك الأرواح، على ما في الأحاديث، فإنها متحيزة على أشكال لطيفة. والله أعلم.
﴿وإِنا لنحن الصافُّون﴾ نصفّ أقدامنا في الصلاة، أو : نصفّ حول العرش داعين للمؤمنين، ﴿وإِنا لنحنُ المسبِّحُون﴾ المنزّهون الله تعالى عما نسبته إليه الكفرة، من الولد، وغير ذلك من الأباطيل المذكورة. أو : المشتغلون بالتسبيح على الدوام، أو : المصلُّون. ويحتمل أن يكون هذا وما قبله ؛ من قوله :﴿سبحان الله...﴾ الخ، من كلام الملائكة، حتى يتصل بذكرهم، كأنه قيل : ولقد عَلِمَ الملائكةُ أن المشركين محضرون للعذاب على افترائهم على الله فيما نسبوا إليه، وقالوا : سبحان الله، ونزّهوه عن ذلك، واستثنوا عباد الله المخلصين، وبرّؤوهم من ذلك، وقالوا للكفرة : وإذا صحّ ذلك ؛ فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحداً من خلقه، وتضلُّوه، إلاّ مَن كان من أهل النار، وكيف نكون مناسِبين لرب العزة! وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه، لكلّ منا مقامٌ من الطاعة معلومٌ، لا يستطيع أن يزلَّ عنه، ونحن نصفّ أقدامنا لعبادته، مسبِّحين بحمده، كما يجب على العباد. ولعل قولهم :﴿وما منا إِلا له مقام معلوم﴾ إشارة إلى تفاوتهم في درجات القُرب ومقامات اليقين : وقولهم :﴿وإِنا لنحن الصافُّون﴾ إشارة إلى تفاوتهم في الطاعات والعبادات، وهم طبقات : منهم هائمون مستغرقون في الشهود، ومنهم مستغرقون في مقام
١٩٤
الهيبة والمراقبة، ومنهم مستغرقون في الخدمة والعبادة. والله تعالى أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٤