الإشارة : افتتح الحق جلّ جلاله هذه السورة، التي ذكر فيها أكابر أصفيائه، بحرف الصاد، إشارة إلى مادة الصبر، والصدق، والصمدانية، والصفاء ؛ إذ بهذه المقامات ارتفع مَن ارتفع، وبالإخلال بها سقط مَن سقط. فبالصبر على المجاهدات تتحقق الإمامة والقدوة، وبالصدق في الطلب يقع الظفر بكل مطلب، وبالصمدانية تقع الحرية من رقّ الأشياء، وبالصفاء تحصل المشاهدة والمكالمة، فكأن الحق تعالى أقسم بهذه الأشياء وبكتابه العزيز ؛ إن المتكبرين على أهل الخصوصية ما أنكروا إلا جُحوداً وعناداً، وتعزُّزاً واستكباراً، لا لخلل فيهم، ثم أوعدهم بالهلاك، كما أهلك مَن قبلهم، فاستغاثوا حين لم ينفعهم الغياث.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٠
﴿وَعَجِبُوااْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَـاذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـاهاً وَاحِداً إِنَّ هَـاذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىا آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـاذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَـاذَا فِى الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَـاذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا...﴾
يقول الحق جلّ جلاله :﴿وعَجِبُوا﴾ أي : كفار قريش من ﴿أن جاءهم مُّنذر منهم﴾ ؛ رسول من أنفسهم، استبعدوا أن يكون الرسل من البشر. قال القشيري : وعَجِبُوا أن جاءهم مُنذرٌ منهم، ولم يعجبوا أن يكون المنحوت إلهاً لهم، وهذه مناقضة ظاهرة. هـ. يعني : لأن المستحق للإعجاب إلهية المنحوت من الحجر، لا وجود منذر من البشر، وهم عكسوا القضية. ﴿وقال الكافرون هذا ساحر كذَّابٌ﴾ أي : ساحر فيما يُظهر من المعجزات، كذَّاب فيما يدَّعيه من الرسالة. وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلاً عليهم بالكفر، وغضباً عليهم، وإشعاراً بأن كفرهم هو الذي جسرهم على هذه المقالة الشنعاء.