رُوي أنه لما أسلم عمر رضي الله عنه فرح به المؤمنون، وشقّ على قريش، فاجتمع خمسة وعشرون نفساً من صناديدهم، ومشوا إلى أبي طالب، وقالوا : أنت كبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء ـ أي : الذين دخلوا في الإسلام ـ وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك، فاستحضر أبو طالب رسولَ الله ﷺ، فقال : يا ابن أخي ؛ هؤلاء قومك يسألونك السواء، فلا تَمِلْ كل الميل على قومك، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" ماذا يسألونني ؟ " فقالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا، وندعك وإلهك، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" أعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدين لكم العجم "، قالوا : نعم، وعشراً. قال :" قولوا : لا إله إلا الله " فقاموا، وقالوا :﴿أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عُجاب﴾. قيل : العجب : ما له مِثل، والعجاب : لا مثل له.
﴿وانطلق الملأُ منهم﴾ أي : وانطلق الأشراف من قريش عن مجلس أبي طالب، بعدما بكّتهم رسولُ الله ﷺ بالجواب، وشاهدوا تصلُّبه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الدين، وعزيمته على إظهاره، ويئسوا مما كانوا يرجونه، بتوسُّط أبي طالب، من المصالحة على الوجه المذكور، قائلين ﴿أنِ امْشُوا﴾ و " أنْ " : تفسيرية ؛ لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم من أن يتكلموا، أو يتفاوضوا فيما جرى لهم، فكان انطلاقهم مضمناً معنى القول، وقيل : ليس المراد بالانطلاق المشي، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أنه ليس المراد بالمشي المتعارف، بل الاستمرار على المشي، يعني أنه على هذا القول : عبارة عن تفرُّقهم في طُرق مكة، وإشاعتهم للكفر. هـ. أي : امشوا ﴿واصبروا على آلهتكم﴾ أي : اثبتوا على عبادتها، متحمِّلين لِما تسمعون في حقها من القدح.
قال القشيري : إذا تواصى الكفارُ فيما بينهم بالصبر على آلهتهم، فالمؤمون أَوْلى
٢٠٢
بالصبر على عبادة معبودهم، والاستقامة في دينهم. هـ.