﴿إِنَّ هذا لشيءٌ يُراد﴾ أي : هذا الذي شاهدناه من محمد ﷺ من أمر التوحيد، وإبطال أمر آلهتنا، لشيء يُراد إمضاؤه وتنفيذه، من جهته ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا محالة، من غير صارف يلويه، ولا عاطف يثنيه، لا قول يُقال من طرف اللسان، وأمر تُرجى فيه المسامحة بشفاعة أو امتنان، فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله عن رأيه، بواسطة أبي طالب وشفاعته، وحسبكم ألا تُمنعوا من عبادة آلهتكم بالكلية، فاصبروا عليها، وتحمَّلوا ما تسمعون في حقها من القدح وسوء المقالة، أو : إنَّ هذا الأمر لشيء يريده الله تعالى، ويحكم بإمضائه، فلا مرد له، ولا ينفع فيه إلا الصبر، أو : إنَّ هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر، يُراد بنا، فلا انفكاكَ لنا منه، أو : إن دينكم لشيء يُراد، أي : يُطلَبُ ليؤخذ منكم وتُغلَبوا عليه، أو : إن هذا الذي يدَّعيه من التوحيد، ويقصده من الرئاسة، والترفُّع على العرب والعجم، لشيء يُتمنى، ويريده كلُّ أحد. فتأمّل هذه الأقاويل، واختر منها ما يساعده النظم الجليل.
﴿
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠١
ما سَمِعْنَا بهذا﴾ الذي يقوله من أمر التوحيد ﴿في الملةِ الآخرة﴾ أي : في ملة عيسى، التي هي آخر الملل ؛ لأن النصارى مثلثة غير موحدة، أو : في ملّة قريش التي أدركنا عليها آباءنا، ويجوز أن يكون الجار والمجرور حالاً من " هذا "، أي : ما سمعنا بهذا من أهل الكتاب ولا الكهّان كائناً في الملة المترقبة. ولقد كذّبوا في ذلك أقبح كذب ؛ فإن حديث البعثة والتوحيد، وإبطال عبادة الأصنام، كان أشهر الأمور قبل الظهور. ﴿إِنْ هذا﴾ أي : ما هذا ﴿إِلا اختلاقٌ﴾ أي : كذب، اختلقه من تلقاء نفسه.