يقول الحق جلّ جلاله :﴿بل هم﴾ أي : كفار قريش ﴿في شكٍّ من ذكري﴾ ؛ من القرآن، أو الوحي، لميلهم إلى التقليد، وإعراضهم عن النظر في الأدلة المؤدية إلى علم حقيقته، ﴿بل لمَّا يذوقوا عذاب﴾ أي : بل لم يذوقوا عذابي الموعود في القرآن، ولذلك شكُّوا فيه، فإذا ذاقوه زال ما بهم من الشك والحسد حينئذ، أي : إنهم لا يُصدِّقون به إلا أن يمسّهم العذاب، فحينئذ يُصدّقون، ولات حين تصديق. ﴿أم عندهم خزائنُ رحمةِ ربك العزيزِ الوهَّاب﴾ أي : ما هم بمالكي خزائن الرحمة حتى يُصيبوا بها مَن شاؤوا، ويصرفوها عمَّن شاؤوا، ويختاروا للنبوة بعض صناديدهم، ويترفَّعوا بها عن محمد ﷺ، وإنما يملك الرحمة وخزائنها العزيزُ القاهر على خلقه، الوهّاب الكثير المواهب، المصيب بها مَن يشاء. والمعنى : أن النبوة عطية من الله تعالى، يتفضّل بها على مَن يشاء من عباده المصطفين، لا مانع له، فإنه الغالب، الذي له أن يهب كل ما يشاء لكل مَن يشاء.
وفي إضافة اسم الرب المنبىء عن التربية والتبليغ إلى الكمال إلى ضميره ـ عليه الصلاة والسلام ـ من تشريفه واللطف به ما لا يخفى.
﴿أم لهم مُلكُ السماواتِ والأرضِ وما بينهما﴾ أي : بل ألهم ملك هذه العوالم العلوية والسفلية حتى يتكلموا في الأمور الربانية، ويتحكّموا في التدابير الإلهية، التي اختصّ بها رب العزّة والكبرياء ؟ ثم تهكّم بهم غاية التهكُّم فقال :﴿فليرتقوا في الأسباب﴾، وهو جواب عن شرط مقدَّر، أي : إن كان لهم ما ذكر من الملك، ويملكون التصرُّف في قسمة الرحمة، فليصعَدوا في المعارج والطُرق التي يتوصّل بها إلى السماء،
٢٠٤
حتى يُدبروا أمر العالم وملكوت الله، فيُنزلون الوحي إلى مَن يختارون ويستصوبون. والسبب، في الأصل : ما يتوصل به إلى المطلوب.