ثم وعد نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالنصر عليهم بقوله :﴿جندٌ مَّا هنالك مهزومٌ من الأحزاب﴾ أي : هم جند ما من الكفار المتحزبين على الرسل ﴿مهزومٌ﴾ ؛ مكسور عما قريب، فلا تُبالِ بما يقولون، ولا تكترث بما يَهْذُون. و " جُند " : خبر، أو مبتدأ، و " مهزوم " : خبره و " مَّا " : صلة مقوّية للنكرة. أو : للتقليل والتحقير. و " من الأحزاب " : متعلق بجند، أو : بمهزوم، و " هنالك " : إشارة إلى بدر ومصارعهم، أو : إلى حيث وضعوا في أنفسهم من الانتداب لمثل ذلك القول العظيم، من قولهم لمَن ينتدب لأمر وليس من أهله : لست هنالك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠١
الإشارة : يُقال في جانب أهل الغفلة : بل في شك من حلاوة ذكري ومعرفتي، حيث لم يذوقوا. قال إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه :(خرج الناس من الدنيا ولم يذوقوا شيئاً، قيل : وما فاتهم ؟ قال : حلاوة المعرفة). بل لَمَّا يذوقوا عذابي، هو وبال القطيعة والبُعد، والانحطاط عن درجات المقرَّبين، وسيذوقونه إذا تحققت الحقائق، حيث لا ينفع مال ولا بنون، إلا مَن أتى الله بقلب سليم. وقال في جانب من حسد أهل الخصوصية :﴿أم عندهم خزائنُ رحمة ربك العزيزِ الوهاب...﴾ الآية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠١
يقول الحق جلّ جلاله :﴿كذَّبت قبلهم﴾ أي : قبل أهل مكة ﴿قومُ نوح﴾ نوحاً، ﴿وعادٌ﴾ هوداً ﴿وفرعونُ﴾ موسى، ﴿ذو الأوتاد﴾، قيل : كانت له أربعة أوتاد وحبال يلعب بها أو عليها بين يديه، وقيل : كان يوتّد مَن يعذب بأربعة أوتاد في يديه ورجليه، ويتركه حتى يموت. وقيل : كان يرسل عليه عقارب وحيّات. وقيل : معناه : ذو المُلك الثابت، من : ثبات البيت المُطَنَّب بأوتاده، فاستعير لرسوخ السلطنة، واستقامة الأمر، كقول الشاعر :
ولقد غَنَوا فيها بأَنْعَمِ عيشةٍ
في ظلِّ مُلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ
٢٠٥